د. ماهر عزيز
تحت تعليق محترم لصديق عزيز نجله ونحترمه ونحبه كتبه بشأن " الخوف من لعبة الآيات المرافقة لصور أصحاب الصفحات " علق أحدهم : " احنا لازم نتجاوز ترجمة بطرس البستاني ( يقصد الترجمة بين أيدينا للكتاب المقدس ) لأنها تجاوزت الزمن في مفرداتها " ( يقصد بالطبع " لأنها تجاوزها الزمن " ) ..
وفيما يلي رد علي هذه الفرية التي تبلغ من فرط الغفلة ، والاغراق فيما يظن أنه " ليبرالية محدثة " .. تبلغ حد الاستجراء والهرطقة والتجني فيما " يتلبرل " به البعض بأكثر مما يجب !!!
يؤسفني غاية الأسف أن يوجد مسيحي يقول بأن : " احنا لازم نتجاوز ترجمة بطرس البستاني لأنها تجاوزت الزمن في مفرداتها " ، ويدعو الي ترجمات اخري.. ويتجاسر اكثر وأكثر فيقول بأن "عيب قوي" أن نظل محافظين عليها دون الانتقال الي ترجمة غيرها عصرية .. علي حد زعمه..
والحق انه من " العيب قوي قوي " أن ينبري أحد للتحدث عن ترجمة الكتاب المقدس دون علم مطلقا بالترجمة ....
" عيب قوي قوي قوي " أن واحد مسيحي يطلع علينا يقول " عيب" ( شوف التجاسر والتطاول الي اي مدي ) .. يقول : " عيب " نتمسك بالترجمة الحالية بين أيدينا المعروفة بترجمة بطرس البستاني/ فإن دايك...
" عيب قوي قوي " الي حد الهرطقة فيحتسب منحرفا .. وذلك للأسباب التالية :
أولا : الترجمة التي بين أيدينا ( بطرس البستاني/فان دايك ) كانت أول ترجمة الي العربية ، واحتشدت لها لجنة من افذاذ اللغة وأفذاذ البحث يندر ان تتكرر مطلقا فرجعوا الي كل الأصول المتاحة وتمت مضاهاتها ببعضها البعض وتم تحقيقها والالتزام المطلق فيها بالمعني الأصيل الملتصق بالنص الأصلي دون انحراف عنه حفاظا علي الوحي ، وذلك علي نحو مذهل من الدقة التي لا يرق إليها الشك... وكل باحث يمكنه أن يعود الي الأصول ويضاهيها ..
لدي اعتقاد جازم أن أول ترجمة تحدث للكتاب المقدس الي لغة رئيسية تكون مسوقة بالروح القدس.. هكذا كانت " الترجمة السبعينية " ، وترجمة " بطرس البستاني / فان دايك " ، وترجمة " كينج جيمس " !!!
ثانيا : النص الكتابي بين أيدينا ليس مجرد نص لغوي .. بل هو حافظة الإيمان وحاضنة العقيدة كما استلمناها جيلا بعد جيل ..والأمر يختلف تماما بين ترجمة نص أدبي يمكن إعادة ترجمته بمترجمين عديدين تتنوع براعتهم اللغوية وذوقهم الأدبي لنحصل مثلا علي ترجمة لمسرحيات شكسبير مرة لأديب كبير ومرة اخري بواسطة طه حسين ومرة ثالثة بواسطة سامي الدروبي فيتفاوت التجويد والذوق الأدبي بين لفظ هنا ولفظ هناك..أو عبارة هنا وعبارة هناك..
الأمر في الإيمان والعقيدة مختلف اختلافا جذريا.. فالصياغة المعبرة عن جوهر الإيمان ليست مجالا للإبداع أو التنويع الأدبي او مهارات المترجمين ..
أقوال يسوع الخالدة عن ذاته وعن بنوته الأزلية للاب وعن كونه " الله الظاهر في الجسد " في غاية الدقة كحافظة للايمان ... والآيات التي اوحيت الي بولس الرسول في شروحاته بالغة الدقة التي للعبرانيين - علي سبيل المثال - صارت حافظة الإيمان القويم ، ومستودع العقيدة الذي يتحتم ألا يتبدل أو يتغير أو يختلف .. واي محاولة لإعادة صياغتها تنقص من لاهوتيتها نقصا مفجعا.. وهذا ما حدث في جميع محاولات الترجمة التي جاءت بعد ترجمة البستاني/ فان دايك..
ثالثا : أقولها بصدق - والله شاهد - أنني قد دفعني شغفي بالترجمة الي اقتناء معظم الترجمات البديلة للكتاب المقدس وأعملت فيها مقارنات دقيقة لآيات عديدة تمس جوهر الإيمان والعقيدة ، وأعملت فيها مضاهاة أيضا لترجمة كينج جيمس الإنجليزية ، التي تتفق اتفاقا مذهلا مع ترجمة البستاني/فان دايك .. اقول انني وقفت علي تفاوتات مزعجة وبعضها خطير في الانحراف عن صحيح الإيمان وصحيح العقيدة ... بدءا من الترجمة اليسوعية .. الي النسخة المورمونية .. الي
New English Testament
الي ترجمات المهرطقين والمحرفين الجدد.
رابعا : النص المقدس ليس مجالا يستعرض فيه الليبراليون توجهاتهم للحداثة.. ( وقال يعني الواحد منهم مودرن قوي ويزدري النسخة القديمة .. وقال ايه روح العصر تستلزم التجديد .. وياللا نعمل كتاب مقدس بترجمة جديدة .. قال ايه اللغة دي بقت دقة قديمة ) .. هذا الادعاء والتهريج لا يكون مع الكتاب المقدس.. ولا يكون مع حافظة الإيمان وحاضنة العقيدة ...
لقد حاولت لجنة الأنبا غريغوريوس أن تأتي بترجمة جديدة للتطويبات في إنجيل متي فاستبدلت " طوبي " بكلمة " يالسعادة " .. ولكن ظلت " طوبي " هي الأروع في العقل والقلب والذوق اللغوي !!!
فما البال لو أعيدت صياغة جواهر الإيمان والعقيدة ؟؟؟؟ أي تبديل وتحريف سنكون بصدده ؟؟؟؟؟
خامسا : هنالك الآن محاولات شيطانية شرسة لتحريف الكتاب المقدس .. وقد طالعنا كلنا المحاولة الفاسدة الأخيرة التي تبناها اصحاب بدعة " الديانة الإبراهيمية الواحدة " ... وأي اتجاه للتنازل عن النص الكتابي الراهن في أيدينا يصب في وعاء المهرطقين والمحرفين الجدد الذين يستهدفون ضرب الإيمان بالمسيح في مقتل بدعوي الترجمات الجديدة !!!
وأمام هذه الهجمة الشرسة يجب أن نحافظ علي الترجمة بين أيدينا (بطرس البستاني/فان دايك ) كمحافظتنا علي عيوننا ...
سادسا : هنالك مثال في غاية القوة علي عدم نفع اي محاولة جديدة لإعادة ترجمة الكتاب المقدس.. فلقد ضمت اللجنة التي شكلها البابا كيرلس السادس لوضع ترجمة جديدة لانجيل المسيح جهابذة عصرهم في المجال : الأنبا غريغوريوس ، و الأستاذ زكي شنودة ، و الأستاذ الدكتور مراد كامل ، و الأستاذ الدكتور باهور لبيب ، و الأستاذ حلمي مراد .. ومن عاصرهم يعرف قدرهم .. ولكن البابا شنودة أوقف الترجمة ورفضها بعد صدور الإنجيل الثالث.. لأنه وجد بعض الاجتهادات اللغوية التي أتت بها اللجنة تقصر عن الترجمة التي بين أيدينا في التعبير عن الأيمان والعقيدة في الآيات الحاملة للايمان والعقيدة.. أو تنقصها الدقة التي للترجمة بين ايدينا في حفاظها علي الايمان واحتضانها للعقيدة... والبابا شنودة لمن لا يعرفون - مهما اختلف البعض معه أو عليه - كان واحدا من أبرز مثقفي عصره ، وقدرته علي الحكم ليست موضع شك .
ولذلك .. فمن العار أن يخرج علينا أحدهم ليقول " عيب قوي " أن نتمسك بالترجمة بين أيدينا ولا نبحث عن ترجمات جديدة... عار أن يحدث ذلك .. عار يا عالم عار !!!