أكد الباحث الأثري سامح الزهار المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية، أن القاهرة الكبرى تزخر بعدد هائل من الأبنية التاريخية والأثرية البديعة التي تنتمي إلى سلسلة حلقات التاريخ المصري الطويل في جميع أزمنته وعصوره لتكون مدينة تاريخية ذات طبائع مميزة تتداخل فيها الطرز المملوكية والفاطمية والأيوبية بمزيج من الفنون العباسية والطولونية والإخشيدية مع أبنية أسرة محمد علي وحتى العصر الحديث، حيث تستعد الحكومة المصرية إلى إخلاء مقراتها الموجودة بالقاهرة بالكامل بعد الانتقال للعاصمة الإدارية، وعدم السماح باستمرار أي من العاملين في تلك المقرات الرئيسية التي سيتم إخلاؤها.
وقال الزهار - فى تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن عددًا كبيرًا من تلك الأبنية شغلتها مؤسسات حكومية وهيئات ووزارات حكومية منذ عقود طويلة، ومع انتقال الجهاز الحكومي الإداري كاملًا إلى العاصمة الإدارية الجديدة ستصبح تلك الأبنية بلا أي نشاط إداري.
وشدد على أهمية الاستفادة من تلك الأبنية وتحويلها إلى مزارات أثرية وتاريخية تفتح أبوابها أمام الزوار للاستمتاع بها والتعرف على تاريخ مصر العظيم من خلالها، إلى جانب فتحها لتكون دروبًا جديدة للباحثين من الأثريين والمعماريين والمؤرخين حول ماهية تلك الأبنية وإمكانية تطبيق الدراسات العلمية الحديثة عليها.
وكشف الزهار عن أبرز وأهم تلك الأبنية والقصور والتي توجد فى منطقة المنيرة، واسمها القديم (الإنشاء) فى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين زمن الخديو إسماعيل، والتي اشتهرت فى ذلك الوقت بوجود عدد من القصور الفخمة الثرية معماريًا وفنيًا.
وأوضح أن الخديو إسماعيل بنى 3 قصور منها لبناته، وكان كل قصر على مساحة حوالي 9 أفدنة، الأول منها كان لابنته بالتبنى (فائقة) والتى تزوجت من مصطفى باشا بن إسماعيل صديق المعروف بالمفتش وتشغله حاليا (وزارة التربية والتعليم)، ويعود تاريخ قصر الأميرة فائقة، إلى سنة 1874 عندما أمر الخديو إسماعيل ببنائه لابنته المتبناة للزوجة الثالثة للخديو إسماعيل، جشم آفت هانم لتعيش فيه حينما تزوجت من مصطفى باشا بن إسماعيل المفتش.
وأضاف أن الحكومة المصرية استخدمته فيما بعد فى عام 1931 عندما استأجرته نظارة المعارف ليكون مقرًا لها، ثم وزارة التربية والتعليم ليستمر حتى اليوم مقرا لها.
وعن وصف القصر، قال الزهار إنه يتكون من طابقين يربط بينهما سلم رخامى كبير ذو فرعين ويضم العديد من القاعات منها قاعة بالطابق الأرضى يطلق عليها القاعة العربية، لأن الزخارف متأثرة بالطراز الأندلسى، والجدران تحتوى على زخارف نباتية وهندسية منفذة على الخشب، أما السقف فهو عبارة عن براطيم خشبية تتخللها أيضًا زخارف نباتية وهندسية ملونة ويحيط بالسقف إزار يشتمل على زخارف كتابية تتخللها آيات قرآنية.
وبالنسبة للقصر الثانى، أكد الباحث الأثري أن الخديو إسماعيل بناه لابنته الأميرة جميلة، وهي زوجة محرم باشا بن كينج شاهين، ناظر الجهادية سنة 1879م، ويشغل الآن موقعه 3 وزارات هى (الإسكان) فى مبنى القصر نفسه، ووزارتا (البحث العلمى) و(التموين) على أرض حديقته.
وأشار إلى أن القصر الثالث بناه للأميرة توحيدة زوجة منصور باشا، وشغلته لفترة (وزارة الدفاع)، ولكن بعد نهاية فترة حكمه قد صادرت الدولة هذه القصور وتم تخصيصها إلى وزارات (التربية والتعليم والبحث العلمى والتموين والإنتاج الحربى).
وكشف الزهار عن ضم هذا الحي "المنيرة" كذلك ثلاثة قصور لإسماعيل المفتش الأول والذى توجد بموقعه الآن (وزارة الداخلية) والثانى المبنى السابق (لوزارة العدل)، والثالث فيطل على ميدان لاظوغلى وكانت تشغله لفترة رئاسة الوزراء ووزارة المالية والآن يتم ترميمه وتجديده.
وأوضح أن تاريخ هذه القصور يرجع إلى أنه أثناء تولى إسماعيل صديق نظارة المالية 1868 - 1876م ظل حائزا على رضا الخديو وعطفه لدرجة أنه قد أنعم عليه فى 25 أغسطس 1871م بأربعة منازل بمنطقة عابدين قيمتها 30000 جنيه كانت مشتراة لإعادة تخطيط منطقة عابدين.
وتابع قائلا "إن من المباني التاريخية المهمة التي تضمها منطقة وسط البلد، مبنى (وزارة الأوقاف) الذي يقع في (شارع صبري أبوعلم) وهو عبارة عن مبنى تاريخي على طراز العمارة المملوكية، وتم بناء المبنى على 3 مراحل عام 1898، 1911 و1929 للمعماري محمود فهمي كبير مهندسي الأوقاف".
وأضاف أن وزارة الأوقاف تحتفظ كذلك بعشرات المباني التاريخية والأثرية الفخمة تستغلها مقرات لهيئاتها وإداراتها، مطالبًا بتحويلها لمتاحف مفتوحة.