- خواطر على هامش الانتخابات الرئاسية
- الديمقراطية دي تاعتي أنا
- مصدر لــ"الأقباط متحدون" : شفيق رئيسا للجمهورية بفارق 350 ألف صوت وحالة غضب تنتاب قيادات الجماعة
- الأرقام التي حصل عليها مرشحا الرئاسة و رأي الشعب في الصراع السياسي
- اللواء حمدي بخيت: الصدام بين العسكر والإخوان قادم لا محالة وسنضرب بيد من حديد على من يعبث بأمن مصر
الفتاوى الشاذة والاستبداد السياسي
بعيداً عن تضارب الاقوال حول صحة مبارك بعد اصابته بجلطة في المخ ونقله الى مستشفى المعادي، وبعيدا عن استدعاء مرشحي الرئاسة امام اللجنة العليا للانتخابات للحوار حول الطعون المقدمة ضد كل منهما، وبعيدا عن المظاهرات في مصر واحتمال توسع نطاقها وعودة مليونيات التحرير ضد حل مجلس الشعب وضد الاعلان الدستوري المكمل وعدم دستورية قانون العزل واصدار قرار الضبطية القضائية وكلها احداث متلاحقة، وبعيدا عن احتمالات الصدام وفرض حظر التجوال عند اشتداد الصراع او الاعلان عن فوز شفيق، وبعيدا عن تاجيل دعوى حل جماعة الاخوان المسلمين.
وبعيدا عن إنتخابات الرئاسة في مصر، والتي تفوّق فيها د.مرسي حتى كتابة هذا المقال ، على منافسه الفريق شفيق تفوقاً مهمًا رغم بساطته، ويكاد هذا التفوق أن يكون حاكماً في المستقبل. وبعيداً عن قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التي وضعها الإعلان الدستوري وفق المادة 28، في مكانة: من لا يسأل عما يفعل، فقرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء.
نسى من اعدوا الاعلان الدستوري وصاغوا هذه المادة صياغة محكمة على عكس كثير من مواده مثل المادة 60 التي إختلف في تفسيرها كل مجلس الشعب والشورى وفقهاء الدستور وقضاة المحكمة الإدارية العليا، نسى هؤلاء أن السلطة المطلقة، كما يقول فقهاء السياسة، مفسدة مطلقة.
المستبدون - كما نعلم- يتخفون دائماً تحت شعارات براقة خادعة، ولكن هذا الاستبداد واضح ومهين للمصريين بعد الثورة، ومهين لمن دفعوا الشعب للتصويت بنعم في إستفتاء مارس 2011. وأراه مهيناً في حق من إشترك في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في ظل هذه المواد، وسيظل ذلك علامة سوداء على جبين الجميع حتى تزال، نظراً لأثر ذلك البالغ في المستقبل، أيا كان من كان في الحكم أو المعارضة وبعد استفتاء مارس كانت الخطة هي البرلمان ثم الدستور ثم الرئيس، أما اليوم فالخطة هي الرئيس بلا صلاحيات كاملة ثم الدستور ثم البرلمان، وياليت ذلك يتم في حالة سلمية.
وبعيداً عن تأجيل دعوى حل جماعة الإخوان المسلمين والإعلان الدستوري المكمل أو المدمر، كما يسميه بعض المحللين السياسيين وبعيداً عن تشكيل مجلس الدفاع الوطني تحت رئاسة رئيس جمهورية مدني.
فقد دعيت إلى ندوة عقدت في دار أخبار اليوم عن الفتاوى الشاذة منذ ستة اشهر. والموضوع قديم متجدد لا تنتهي صلاحيته ولا مفعوله مادام على ظهر الأرض متفيقه واحد أو مدعي علم وفقه، وخصوصاً في وجود بعض القنوات التلفازية التي تشعل الفتنة، وتشوه صورة الدين، بإستضافة مثل هؤلاء المتفيهقين. وقد شاركت في الندوة لأن هذا الموضوع إكتسب وسيكتسب أهمية بمرور الزمن وخصوصاً بروز تيار الإسلام السياسي السلفي، ومشاركة بعض أولئك المتشددين في الحياة السياسية عبر النظام الديموقراطي الذي أنكروه من قبل.
وطالما إقترب الإسلاميون أو دخلوا حلبة السياسة التي اعتبرها بعضهم يوماً ما أنها من عمل الشياطين، ولذلك تركوها لمن ليسوا أهلاً لها، وأفتوا لهم بما يمكنهم من السيطرة والهيمنة على الشعوب وتوريث الحكم للذرية مهما كانت صالحة أم فاسدة، أو لمن كان على شاكلتهم. وهناك فتاوى كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان تصب في صالح الاستبداد والديكتاتورية، وتضيق بالحريات وتصف الديموقراطية بأنها كفر على سبيل المثال لا الحصر.
تكمن أهمية الفتوى في أنها مثل لمبات الكهرباء أو الفانوس الذي يضئ للناس الطريق ممثلاً في إبداء الرأي الفقهي لهم. بعض الفتاوى تنقذ فرداً أو أسرة أو وطناً، وبعضها ينكب الفرد أو الأسرة أو الوطن كله. يقول القرآن الكريمإن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون البقرة 159، ويقول الله تعالىإن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم البقرة174. ويقول الله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون آل عمران187.
هذه آيات ثلاث من بين عشرات الآيات التي تبين أهمية الفهم القرآني، والعلم والافتاء، وعدم كتمان العلم وتبيانه للناس كل الناس، أفلا يتدبرون القرآن. فالقرآن للتدبر والعمل به والتعبد به وليس للتزين به في المكتبات العامة أو الخاصة، أو تلاوته في المآتم والأفراح أحياناً.
وهنا لابد أن نؤكد أن بعض المتسلفين وليس السلفيين، نافقوا الحكام الظلمة، وخدعوا بفتاواهم الشاذة الشعوب، وتجرؤا على الإفتاء دون الشروط التي ذكرها السلف الصالح، ومنها كما يقول الإمام أحمد بن حنبلينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتوى أن يكون عالماً بوجوه القرآن والأسانيد الصحيحة والسنة، وإنما جاء خلاف من خالف، لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها.
ولذلك يضع ابن حنبل شروطاً عظيمة للمفتي في مقدمتها أن تكون له نية وحلم ووقار وسكينة، وأن يكون قوياً على ما هو فيه (أي التمكن في العلم)، وأن يكون مستقلاً حتى لا يمضغه الناس، فضلاً عن معرفة الناس (أي فهم الواقع)، ومجموعة من الصفات المهمة الأخرى. وتأتي هذه المعايير كلها في خدمة العلم وضد وجود أو تقليد علماء السلطان مناصب الافتاء خصوصاً حتى لا يمضغهم الناس. فالامام أحمد رحمه الله تعالى بمنتهى التجرد والموضوعية، يخشى على العلماء ويخشى على الناس في وقت واحد. وهذه الشروط تمثل أهمية بعض المعايير والمواصفات التي وقفت وراء نجاح الغرب في مختلف الميادين وخصوصاً السياسة والاقتصاد والتقنية العالية بما في ذلك الصناعات.
ومن الفتاوى الشاذة، أو على الأقل المختلف فيها إختلافاً شديداً ما يلي:
ـ حرمة المظاهرات والخروج على الحاكم.
ـ فتوى إرضاع الكبير أو الزميل.
ـ فتوى ترك الأوطان- فلسطين - مثلاً بسبب الاحتلال وعدم تعريض النفس للسجن والعقاب.
ـ فتوى قتل البرادعي والقرضاوي.
ـ استمرار الحاكم الظالم في الحكم دون منازعة حتى الموت.
ـ تعيين من هم الشهداء ومن ليسوا شهداء، وكأن مفاتيح الجنة في يد الشيوخ ورجال الافتاء.
ـ فتوى كفر الديموقراطية، ثم الدخول في الانتخابات.
ـ فتوى تحريم الاحتفال بالمولد النبوي وحل الإحتفال باليوم الوطني وأسبوع بن عبد الوهاب، على سبيل المثال لا الحصر.
ـ فتاوى عديدة بشأن تحريم كثير من أوجه الحلال في موضوع المرأة، وعلى النقيض من ذلك جواز مضاجعة المرأة بعد وفاتها لمدة ست ساعات قبل الدفن.
ـ كثير من الفتاوى بشأن الأقباط أو الجار غير المسلم، مثل منع الشباب أن يقول لجاره غير المسلم صباح الخير أو تهنئتة في الفرح أو أن يعزيه في المصيبة أو ضرورة أن يضطره إلى أضيق الطرق.
ـ قتل الأطفال والنساء من زوجات الشرطة والمسؤولين في الدولة الظالمة حتى لا يلدن كفاراً، واعتبار ذلك من الجهاد في سبيل الله، كما كان ذلك في أزمة الجزائر في أوائل التسعينات. ونحمد الله تعالى أن مآل هذا الفكر هو الخيبة والهزيمة أمام الوسطية.
وكل هذا إما من المحرم أو المختلف فيه، وإما من الشاذ في مجالات الفقه بسبب الفهم والاستدلال. ويذكرنا بعض ذلك بما قاله مجموعات من الأرأيتمية، الذين يتخيلون أموراً لم تقع ولن تقع، ربما حتى يوم القيامة.
أما أشد الفتاوى حداثة وشذوذاً فهي للشيخ على الربيعي، عندما نقلت عنه بعض وسائل الإعلام، وهو ينعي الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ، قوله إن وفاة مولانا نايف لأشد إيلاماً من وفاة رسول الله، لأن محمداً ترك وراءه من نعلم، ولكن الأمير نايف لا نعلم للآن من وراءه. إدعو لخير المسلمين. نعم، من اداب الاسلام الدعاء للميت بالرحمة والمغفرة وذكر محاسنه وليس من أداب الاسلام التزيد او النفاق.
وكان على الشيخ الربيعي أن يكون دقيقاً وواضحاً عندما يريد او يقصد أن يشكك في استقامة من يأتي بعد الأمير نايف من الأمراء إذا كان يريد ذلك بفتواه. ولكن إقحام وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر، وأن يألم الربيعي لوفاة الأمير نايف أكثر من ألمه لوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم،فهذا يعد مقارنة شاذة جداً في هذا المضمار لا تليق بالعلماء ولا الفقهاء. وهي مقارنة غير مقبولة عقلاً أو شرعاً. وليس هناك أي مجال للمقارنة وقد يخسر العالم بذلك دنياه مع آخرته.
الأخطر من ذلك تلك الفتوى المنسوبة إلى احد علماء البحرين مؤخراً بشأن وفاة الأمير نايف والتي تقول: هناك حالة استنفار في صفوف الحور العين وذلك لاقتراب وصول السنة إلى الجنة. وياليتنا جميعاً ندرك أن نظريات التغيير في العالم الإسلامي للوصول إلى السلطة أو التخلص من الحكام الفاسدين يجب أن تتبدل اليوم بما في ذلك نظريات القاعدة، وكل نظريات العنف أو التغيير من فوق، سواء قادها بن لادن أو الظواهري. ونتمنى أن نرى كل من اعتنقوا نظريات التغيير تلك في القاهرة وقد راجعوا آراءهم الفقهية واستفادوا من آراء إخوانهم العلماء وبعد المراجعات من أقطاب الجماعة الاسلامية والجهاد. فالانخرط في العمل السياسي والتغيير السلمي أولى من التشدد والتشتت في الأرض. أحد الدروس المهمة من ميدان التحرير في مصر يؤكد أن الشعب هو الذي يملك زمام التغيير وهو القادر عليه بإذن الله تعالى.
والله الموفق
مستشار مركز دراسة الحضارات في لندن
المصدر: القدس العربي
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :