بقلم : مصطفى عبيد
 
كان محمد البابلى واحدا من ظرفاء مصر النادرين موهوبا  باختراع النكتة . يقلب الألم إلى أمل ، ويحوّل الهمّ الى خِفة دم ،  ويصنع من المآسى والعذابات طرف ونكات ... فى يوم ما قبل تسعة عقود كان " البابلى "  يجلس على أحد مقاهى وسط القاهرة عندما كان الخلاف السياسى على أشده  بين سعد باشا  زغلول وعدلى باشا  يكن حول التفاوض مع الانجليز على الاستقلال حين  مر به أحد أصدقائه وسأله مستفسرا : أنت سعدست " نسبة الى سعد زغلول " ولا عدلست " نسبة الى عدلى يكن " ؟  . فكر " البابلى"  قليلا قبل أن يقول فى صدق : أنا فلست . 
 
ومع الفارق،  ألمح نفس الجواب على شفتى كل مواطن بسيط عندما يسئل إن كان مع الاخوان أم العسكر .الناس تريد الستر والرغيف ، والمحرومون ضجروا من الانتظار . لا عجلات إنتاج تدور ، ولا أمطار خير تهطل ، ولا سنابل قمح تنمو . موات فى موات ، وفراغ وركود وتجمد وتيبُس فى النشاط الاقتصادى . 
عندما يتصارع الفصيل السياسى الأكثر انتشارا  وهم الاخوان المسلمون ، مع صاحب القوة الفعلية  وهو المجلس العسكرى على سلطات وصلاحيات كليهما لا يمكن أن ننحاز . فالخلاف الآن ليس من أجل  الوطن وإنما على لحم الوطن ، وكلا المتصارعين فاشست ولا يمكن أن يحكم أحدهما مصر الحلم والعلم والريادة والتقدم .   
 
 لا خير فى كليهما . السطوة والاستفراد طبيعة فى الاثنين . الهيمنة ورفض الآخر  جينات مشتركة لديهما  . الاستبداد والاقصاء السياسى كرات دم تجرى فى شرايينهم الى الأبد . ما أفلح قوم ولوا عساكرهم ،ما نهضت أمة حكمتها لافتات الدين وأدارها خطباء المنابر .    
لا الاخوان المسلمين يمثلون الثورة ، ولا المجلس العسكرى يمثل المدنية . وإن انتصر الأخوان خسرنا ، وإن انتصر العسكر خسرنا وإن تحالفا الاثنان  خسر الوطن . 
 
فى الدولة  الاخوانية المخالف فى الرأى كاره لشرع الله ، والمعارض للحكم علمانى ، والآخر ليس له حقوق الترشح للرئاسة ولا طموح تولى القيادة . وفى دولة العسكر الحرية فوضى ، والمنتقدين لنظام الحكم  عملاء وجواسيس ، والمدافعين عن حقوق الانسان يتآمرون لصالح الغرب . 
كلنا خاسرون . أنا وأنتم والأطفال الحالمون بمصر الجديدة . من الشرفة الوطنية  نتفرج على استعراضات القوة بين الطرفين  وبيانات التخويف المتبادلة .. نلعن السياسة والمصالح الضيقة  ونقول : 
 
خذوا مقاعد البرلمان وامنحونا ليلة بلا ضجيج .. خذوا رئاسة الجمهورية واسمحوا لعصافيرنا بالزقزقة . خذوا مناصب الوزراء والكبراء وأتركونا نبتسم . خذوا القصور والعطور واعطونا بعض السرور .خذوا القوانين والقرارات والاحتفالات والشهرة والاضواء والسلطان وأعيدوا لنا الوطن .. والله أعلم .