هاني لبيب
كتبتُ عدَّة مرات عن ظاهرة نقل الموضوعات والتعليقات من صفحات «الفيسبوك» إلى صفحات الجرائد والمجلات وشاشات الفضائيات، وتحويل النقاش حولها إلى قضية رأى عام.
ولايزال الأمر مستمرًا، بعد أن تحول «الفيسبوك» تحديدًا من وسيلة للتواصل الاجتماعى المفتوح إلى وسيلة لتوطيد علاقات بعض الأطراف أو الانقسام بين البعض الآخر، لدرجة أن الخلاف يصل- فى أفضل الأحوال- إلى إلغاء الصداقة أو «البلوك»، وقد يكون عنيفًا إلى درجة التكفير والتخوين.
ينسى بعضنا أن طبيعة «الفيسبوك» تقوم على محتوى نشارك به الأصدقاء فى النقاش حول موضوع مُثار، أو من خلال طرح موضوع جديد أو فرعى، وهو ما اعتبره كثير من الهواة، وللأسف بعض المتخصصين، أحد أشكال الصحافة الجديدة أو البديلة أو صحافة المواطن، ما ترتب عليه تضخيم تأثير «الفيسبوك» إلى حد التعامل معه باعتباره أحد أهم المصادر الصحفية، لدرجة جعلت بعض برامج «التوك شو» تقتبس الأفكار والقضايا الخلافية من صفحات أشخاص مجهولين أحيانًا، وتركز على ما جاء فيها، باعتباره مصدرًا أساسيًا للأخبار والأحداث السياسية، رغم أن «الفيسبوك» لايزال يُستخدم بشكل أساسى فى الدردشة أو للترويج لبعض الاتجاهات أو الحركات أو الأشخاص، وبمعنى أدق فى النميمة الاجتماعية والسياسية، التى أصبحت الهدف غير المعلن لوسائل التواصل الاجتماعى فى مصر.
تتحول النميمة الاجتماعية والسياسية إلى حقيقة افتراضية موجَّهة لخدمة مَن يشارك فى صنعها، خاصة بعد أن تتحول إلى «ترند» على السوشيال ميديا، سواء بحُسن نية فى بعض الأحيان أو بعدم وعى حقيقى بها فى كثير من الأحيان، وبعد أن يتم الترويج لمعلومات خادعة وغير دقيقة.. تصور المستفيدين منها باعتبارهم قوى سياسية واجتماعية باطشة ومؤثرة، وهو نوع من التضخيم الوهمى والمُخِلّ لا يتجاوز تأثيره لحظات معدودة، إذ إن أصحابها مناضلون افتراضيون.
والتأثير السلبى يتجاوز كل ذلك، إذ إن البعض يحاول تصدير صورة سلبية تترك انطباعات عشوائية قد تؤثر فى نظرة المواطن العادى لنفسه وللمجتمع والحكومة والدولة المصرية، كما أن البعض الآخر يصدِّرون صورًا لأنفسهم يظهرون فيها أبطالًا وزعماء أو مجاهدين وشهداء.. ولكن «من منازلهم».
ما سبق يعنى لى شخصيًا أننا لم ننجح فى استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة لرفع وعى المجتمع المصرى وتطوره، بقدر ما استخدمناها فى الترويج للأوهام والشائعات، وتعاملنا مع «ما هو غير حقيقى» أو «واقعى» باعتباره مصدرًا أساسيًا ورئيسيًا للمعلومات، فضلًا عن تحول «الفيسبوك» إلى وسيلة لتقييم العلاقات الاجتماعية، بداية من تسجيل الإعجاب والمشاركة، مرورًا باستخدام التعليقات فى كتابة كلمات مبهمة ومُوجَّهة، تحمل فى طياتها رسائل سلبية تجاه رأى أو شخص محدد، وانتهاء بتحديد فكرة الصداقة نفسها، قوتها أو هشاشتها، من خلال شكل التفاعل المتبادل بين الأشخاص، ومدى تبنِّيهم مواقف بعضهم البعض، أو اختلافهم حولها.
نقطة ومن أول السطر..
فى «دولة الفيسبوك».. تتحول العلاقات الافتراضية الوهمية إلى الفيصل الحاكم للعلاقات الإنسانية.
نقلا عن المصرى اليوم