مفيد فوزي
تسلمت هناء خطابًا من زوجها المهندس راجى قبل سفره إلى البلد العربى الذى يعمل فيه منذ ثلاث سنوات، وفتحت هناء الرسالة محكمة الإغلاق.. وقرأت!.
ما أحلى أن تتكحل العلاقة الزوجية بالصداقة! إنها مرتبة راقية تحفظ لمؤسسة الزواج الدوام والاستمرار والبهاء. وما كنت أنوى كتابة هذه الرسالة، لكنى فضلت هذا الأسلوب الذى ترتاحين له وتفضلينه على النقاش الذى قد تعلو فيه الأصوات ربما من فرط الصدق أو الحماس، وحينئذ نفقد خيط الحديث ويتوه منا الموضوع فى غمار مناقشة ليس لها حكم. ولما كنت امرأة مثقفة ولست من عامة الناس فضلت أن أخاطبك برسالة تتفهمين ببطء وهدوء فحواها وما قصدته.
إن الهدف الذى أصبو له هو حماية أولادنا «عزة وندى وأكمل» من انحراف الطريق وقد وصلوا إلى عمر الرشد والفهم، ولكن الرعاية واجبة وحمايتهم من ضعفهم ضرورة. وأعرف أن سفرى ينطوى على خطأ، لكن الحياة كفاح والمرتب الذى أحصل عليه فى البلد العربى أربعة أضعاف أجرى فى مصر، خصوصًا أنى مهندس اتصالات، وأعلم أنك صرت لفرط ذكائك ومهاراتك موظفة كبيرة فى الحكومة وتخصصك هو التربية. والسؤال الذى يطرح نفسه يا عزيزتى هناء هو: هل نحن مطمئنون لتربية أولادنا؟. إن غيابى عن البيت جعل دور الأب غائبًا لظروف استثنائية، لكنى ما زلت أتذكر جريمة ارتكبها شاب مراهق قتل أخته خنقًا بالإيشارب لأن أهلها- فى الخليج- جعلوا من الأخت وصية على أخيها الأكبر، فتنمر له زملاء المدرسة ووصفوه بالعيل، فارتكب تلك الجريمة وأودع مؤسسة الأحداث!. تلك جرائم غياب الأب والأم، والمشكلة أننا لم نعرف جيدًا أولادنا، ولما كان انشغالك فى عملك يستغرق وقتًا بلا حدود بين اجتماعات وتدريس On Line ولقاءات بقيادات فقد تاه منا الأولاد، وصار السيناريو اليومى هو طبع القبلات، وينطلق الأولاد، ولا أظن أنك جلست مرة وسط أعبائك الجسام تسمعين مشكلة خاصة، خصوصًا فى هذا العمر. ولا أخفى أن صداقات البنات تنطوى أحيانًا على تسهيل «الفجور». لا تندهشى من التوصيف؛ فنحن قد قمنا بالتربية بقدر ما نستطيع ولكن ظروف الحياة قد تغيرت، والقيم ضاعت، والسلوكيات انحطت، ودخل ضيف جديد مخيف اسمه «الموبايل». إننى أعرف خيانات بالصوت والصورة تمت عبر الموبايل. إننى أعرف أصدقاء يمارسون الجنس عبر واحد من مربعات «الصورة»، فكلاهما يرى الآخر وقد يتحرران من الملابس!. الصديقة تهمس فى أذن ابنتك أن تجرب والصديق قد يغرى الولد بالذهاب إلى غرزة آمنة فى بيت أحدهم. نحن لا نعرف حياة أولادنا السرية لكنها داخل هذا الجهاز الكارثة: الموبايل. إننى أتكلم عن تجربة؛ فعملى يؤهلنى لفهم ما يجرى خلف الأبواب!.
أنت تؤمنين باحترام الخصوصية وأنا مثلك، فلم يحدث أن فتشت فى تليفونك عبر أى لحظة منذ أن كانت بيننا خطبة لعامين حتى تزوجنا. ولكن التربية تستوجب الحرص والحذر، وبدافع الخوف على الأولاد من المهم أن نعرف اتصالاتهم وعلاقاتهم السرية، من المهم- تربويًّا- يا هناء أن نكون على صلة بالمدرسة أو الجامعة، ولكن نظام التعليم وأد العلاقة بين البيت والمدرسة. ومن هنا فإن أسرار أولادنا وبناتنا فى موبايلاتهم، ومن هنا يتحتم أن نفتش بحسن نية فى هذه الموبايلات لعل وعسى، فربما يقع الولد فريسة لمنظمة ما تناقش رجولته فيمتلئ شعورًا بالزهو، ثم تجنده!. نعم- يا هناء- فتشى فى موبايلات أولادك، أولادنا. فهذا التفتيش بدافع الاطمئنان على الأمور وليس بدافع الضبط ومصادرة التليفون، وليس التفتيش ضد احترام الخصوصية؛ فأنا- مثلًا- كأب لا أستطيع أن أقوم بهذه المهمة، ولكن الأم قادرة بذكائها وحنانها على أن تجرى عملية التفتيش بيسر وسهولة، وتصبح الأم مستشارة لأولادها، هل تبادلنا المواقع يا هناء؟. أنا أتكلم فى التربية وغدًا أسمعك تتكلمين فى الاتصالات؟!. إن صديقًا لى اكتشف عبر الموبايل خيانة الزوجة فطلقها على الفور، ها هو يحتفظ بتليفونها الدال على كل الأفعال المشينة والعبارات الفاضحة عبر الواتس آب وعبر الرسائل الصوتية المليئة بالنداءات والتأوهات. صديقى طلق زوجته فى هدوء واحتفظ بجسم الجريمة؛ التليفون!. من هنا أدركت خطورة هذا الجهاز فى حياتنا، إنه خادم أمين فى السرعة ولكن له وجه آخر تعرفه البنات أكثر منى ومنك! وعشرات الحكايات- يا هناء- بطلها هذا الجهاز المخيف؛ الموبايل!.
كونى رقيقة للغاية وأنت تطرحين السؤال: مين أصحابكم، عايزة أشوف صورهم؟ كونى حازمة دون أن تفصحى عن نبرة أمر أن تفتح ابنتنا الموبايل بأرقامه السرية، وحاولى الاستماع لرسالة صوتية فربما كشفت لك خيوط حكاية مريبة. لست أطلب بالمناسبة من الآباء والأمهات أن يتولوا القيام بالتفتيش فى موبايلات الأولاد، لكنى أراها مهمة تربوية ضرورية. زمان، كانت البنت تخفى خطابًا أزرق من حبيبها فى داخل كراسة أو كتاب مهجور، الآن الخطابات العاطفية صوت وصورة وهناك تنويعات، ومن يدرى فقد تثق عزة أو ندى فى شاب ما، وبعد قليل نرى صورهما على الفيس بوك أو الإنستجرام؟!. يا هناء يجب ألا يكون «أكل العيش» عائقًا أمام تربية أولادنا. يجب ألا ننشغل عن أحوال أولادنا، إنهم فى حاجة إلينا، وعندما أغيب عن المشهد لظروف العمل خارج الحدود، فقد تطمئن البنت لرجل ما يمنحها أبوة زائفة غير محددة المصير وغير آمنة، من يدرى؟!.
الصديقة الصديقة هناء..
إن أعظم إنتاجنا ليس عملى أو عملك. بل أعظم إنتاجنا هو أولادنا، وإذا كنا نشقى من أجلهم فذلك دورنا أن نجعلهم بعيدين عن أى إغراءات ولا يخوضون تجارب تخاصم الصواب والعقل. كدت أشعر أن الذى اخترع الموبايل أراد تسهيل الحياة، وفى المقابل «فض اللمة الحلوة»، لقد التحفنا بالوحدة والأنانية وأصبح الناس طابورًا طويلًا منغمسًا فى الموبايل. ثم صار الموبايل يزين حالات خاصة وعلاقات خاصة، وما خفى كان أعظم!!.
صدقينى إن للأولاد حياة خاصة فلا يجب أن تكون لهم حياة سرية بعيدة عن عيوننا، يسقط النجاح إذا ما رسب الأولاد فى حياتهم الخاصة، فنحن لم نأت بهؤلاء الأولاد لنلقى بهم فى طريق الحياة دون أمان. إن الانشغال عنهم فى وقت المراهقة جريمة. ما قيمة نجاح الأب فى الحصول على أموال على حساب حياة أولادنا؟ ما قيمة الترقى والدرجات الوظيفية إذا كانت ثمنًا لفشل أولادنا فى حياتهم العملية وخضوعهم عبر الموبايل لابتزاز بعد ابتزاز؟. إنه الثمن البخس بحق، لقد تعلمت البنات أن تمسح أى آثار على شاشة الموبايل وذلك من خلال نصائح زوجات مجربات يمكن حسابهن على ارتكاب عمل فاضح على شاشة الموبايل، وينصحن أى واحدة بعمل Delate لصورة الكلام وإلغاء الرسائل الصوتية تمامًا لمحو آثار أى جريمة، صدقينى إن هناك «شياطين» درسوا عالم الموبايل وخصائصه وتنويعاته وصاروا بريمو فى استخداماته!!.
لا تترددى- يا هناء- فى معرفة عوالم أولادنا السرية؛ فلنسارع ونكن أصدقاء لهم، لا نعاقبهم إذا أخطأوا بل نسدى النصح ونخاطب منطقة الخير فيهم، فنحصد خيرًا.
من الطبيعى أن نتقرب إلى أصدقائهم ونعرف عائلاتهم ما أمكن ذلك ونعرف درجة ومقدار وحجم الصداقة ولا نسمح بالبيات فى بيوت أخرى مهما كانت الأسباب، خصوصًا مع البنات، أليس من الممكن أن تتزوج بنت زواجًا عرفيًّا سريًّا ونحن لا ندرى إلا متأخرين؟. أليس من الممكن أن تشد الولد «قعدة قمار» وتوابعها؟. تربية أولادنا قضية يجب أن تشغل بالنا كل الوقت وليس بعض الوقت!. الأمر ليس شكوكًا أو تجسسًا.
ولكن ضبط الأمور ضرورة خلقية وضرورة تربوية، وتجاهل هذا الانتباه كارثى، وزمان كانت الحياة بسيطة ولا تحتاج إلى عيون سبعة تراقب، أما الآن، فى زماننا، فإن التكنولوجيا دخلت بيوتنا وأسأنا استخدامها فكان الوبال.
لهذا، فقط، نربى أولادنا بعيون مفتوحة.
نقلا عن المصري اليوم