بقلم: محمد ابو الغار
حدث هجوم على منازل ومحال الأقباط فى قرية البرشا فى المنيا بسبب بوست كتب على فيس بوك يقال إن حسابه قد سرق، وهو أمر كارثى. وهذا الأمر أيد الانطباع العام عند الكثيرين داخل مصر وخارجها بأن مصر أصبحت دولة إسلامية متطرفة من مظهر الشارع وطريقة الحديث وتغيير فى بعض العادات والتقاليد المصرية، وبعض الحوادث الإرهابية. وقد أكد هذا التصور الأحداث التى تلت ثورة 25 يناير حين حصل الإسلاميون على أغلبية فى الاستفتاء الأول، ثم حصل الإخوان على 45% من مقاعد البرلمان وحصل السلفيون على 25% من المقاعد وبعد ذلك انتخب مرسى رئيساً، ولكن هذه الأغلبية انخفضت فى الاستفتاء على الدستور، وخسر الإخوان التصويت فى القاهرة، حين تنبهت بعض القوى المدنية إلى أهمية الحشد والتصويت بلا على دستور الإخوان. وبعد ذلك توحدت القوى المدنية المختلفة وانتفض حزب الكنبة على حكم الإخوان، وانطلق ملايين المدنيين وظهر بوضوح أن الغالبية العظمى من المصريين فى المدن وحتى فى الريف ترفض حكم التيارات الإسلامية التى تريد أن تتدخل فى حياتها الشخصية. هذه القوى الكبرى المدنية الموجودة فى مصر هى السد الحقيقى للحفاظ على مدنية مصر وطبيعتها وتاريخها. هذه القوى كان يمثلها قبل عام 1952 حزب الوفد ذو الشعبية الجارفة والذى اكتسح كل الانتخابات غير المزورة ولم يحصل الإخوان على كرسى واحد فى البرلمان، وذلك بالرغم من أن الإخوان كانوا منتشرين فى مصر كلها ولهم ومراكزهم وشباب الجوالة والتنظيم السرى.
بعد عام 1952 وبعد إلغاء الأحزاب، ثم بعد ذلك تم حل جماعة الإخوان، وبقى حزب حكومى واحد تغير اسمه عدة مرات. وبالرغم من المحاكمات والإعدامات والسجون لآلاف من الإخوان فإنهم ظهروا كالقوة الوحيدة المعارضة بعد أن فتح لهم السادات الباب. لو كانت القوى المدنية موجودة أو منظمة أو يسمح لها بالتنظيم لما أصبح الإخوان هذا البعبع الكبير الذى يخيف الجميع.
هناك قوى كثيرة خارجية تشكل مخاطر على مصر، أهمها مخاطر بناء السد فى إثيوبيا وأهمية الوصول إلى اتفاق، ومشاكل الإرهاب فى سيناء ومشاكل ليبيا على الحدود الغربية وكيفية التنسيق مع البلاد العربية والخليج فى ظروف مختلفة. ثم تغيير مؤسسة الرئاسة فى الولايات المتحدة والتى سوف تنتهج سياسة مختلفة عن سياسة ترامب. وهناك مصاعب اقتصادية داخلية زادتها جائحة الكورونا.
فى ظل هذه الظروف يجب أن تتوحد الجبهة المصرية الداخلية ويجب أن تكون القوى المدنية المصرية متحدة للدفاع عن الوطن وهذه مهمة الدولة أولاً والقوى المدنية ثانياً. القوى المدنية كما سبق أن ذكرت قوى عظيمة لو تم تنظيمها وتُركت الفرصة لها وهى حائط الصد الأساسى لحماية الوطن. تاريخ الأمم طويل ويجب أن نكون مستعدين لما هو آت بعد سنوات وسنوات، وإذا لم نتعلم هذا الدرس فسوف نسقط مرة أخرى فى فخ مخاطر الفاشية الدينية ولو بعد حين.
الإعلام يأتى من وسائل الاتصال الاجتماعى والفضائيات غير المصرية المختلفة، ويجب أن نقوم بتغيير هذا الأمر، وقد قرأنا عن مؤتمر عقدته الدولة للإعلاميين للتقدم بمقترحات لتحسين الإعلام، وقرأت على فيس بوك مقترحات نشرتها الإعلامية المتميزة وذات الخبرة بالصحافة الأمريكية حنان البدرى، ولو طبق جزء كبير من هذه المقترحات، بالإضافة إلى وجود الرأى الآخر فى أى حوار لتغير الموقف. وحتى الآن هناك أخبار محلية وعالمية تهم الناس بشدة وهى حديث المدينة وحتى القرية ومتداولة آلاف المرات على وسائل التواصل الاجتماعى والفضائيات العربية والأجنبية، ولا حرف واحد يذكر عنها فى الإعلام المصرى. والأحزاب المدنية الوطنية الحقيقية هى مستقبل مصر على المدى البعيد، ويجب أن تترك لها الفرصة بل والمساعدة إذا كنا جادين فى خطة طويلة لمحاربة التطرف. ولنعلم أن المصريين، مسلمين وأقباطا، متدينون بطبعهم، وهذا أمر لا علاقة له بالتطرف.
فى الدول المدنية لا يوجد فرق بين المسلم والمسيحى، وهذا منصوص عليه فى الدستور والقانون المصرى، وهو ما تحاول الدولة أن تطبقه على المستوى الأعلى، لكن التطبيق على المستوى الأقل فى أجهزة الحكم المحلى والشرطة وموظفى الدولة يعود إلى طبيعة المسؤولين ووجهة نظرهم وطريقة تفكيرهم. وهذه المستويات تحتاج إلى توعية ومتابعة ومراقبة ومحاكمة حتى تكون المساواة حقيقية. ما حدث فى البرشا وغيرها يحتاج إلى حسم وعدل بحيث يحاسب المسؤول الحقيقى عن هذا الهجوم.
الأقباط المصريون خرجوا من القمقم السياسى الذى أدخلوا فيه منذ عام 1952 بعد 25 يناير، لكنهم دخلوا القمقم برغبتهم، بعد سقوط الإخوان. هناك قلة تحاول العمل العام، لكن الأغلبية لا تشارك، وهذا مطلب هام من أقباط مصر، أنه مهما كان الجو العام غير مشجع ومهما كان التعامل الشعبى صعب فى مناطق معينة فمشاركة الأقباط ضرورية.
حقوق الإنسان منصوص عليها فى الدستور والقانون والالتزام بالمحافظة عليها يقوى القوى المدنية ويمنع أى محاولة تدخل فى شؤوننا الداخلية.
نحن شعب واحد يجب أن ندافع بكل قوة عن أى فرد بغض النظر عن دينه أو لون بشرته أو جنسه، وأن نعرف أن الدولة المدنية التى نشارك فيها كلنا هى الملاذ الوحيد الآمن والدائم لمصر، وأى نجاحات بدونها هى نجاحات مؤقتة وممكن أن تزول فى لحظة.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك