جديد الموقع
الأكثر قراءة
- الجهاد المريكي المتأسلم في أفغانستان 1979
- اللجان الشعبية الأخوانية تستعد للانتشار بشوارع المحافظات
- شكاوى من تهجم مجهولين على أقباط "نجع حمادي" في محلاتهم، ومصدر كنسي: نطالب المشتكين بضبط النفس
- الشيخ "الحويني": لست متفائلًا بما سيواجه الإسلام في المستقبل القريب
- صلاح عناني: مرسي عميل الأمريكان والانتخابات مزيفة ولو كان لديه ما يثبت العكس فليقدمه فورًا
بين الفرعون .. والإمام .. الرئيس منزوع الصلاحيات
طالعتنا صحيفة الإنتدبندت اللندنية صباح أمس بكاريكاتير تعبر فيه عن الإعلان الدستوري المكمل الذي نزع الكثير من صلاحيات الرئيس المنتخب، فرسم فنان الكاريكاتير الجنرالات العسكرين متكئين على مقاعدهم وهم يفسحون للرئيس مقعدًا بينهم هو عبارة عن مقعد مطوي بلا مسند ولا ذراعين (من النوع الذي يستخدمه المصطافون على شاطئ البحر)! وذلك في إشارة واضحة إلى عدم رغبة الجيش المصري في التخلي عن سلطات ومزايا اكتسبها على مدار ستين عامًا من حكمه لمصر، زادت بعد تنحي مبارك عن الحكم منذ عام ونصف.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم: هل العسكر هم الفئة الوحيدة التي تبغي رئيسًا منزوع الصلاحيات؟ في الواقع عبرت قطاعات كبيرة من الشعب المصري عن مثل تلك الرغبة. ولكن المشهد السياسي الملتبس في القاهرة اليوم لا يتيح لمثل تلك الرغبة أن تتضح، ولكن دعونا ننظر في المشهد بتفاصيله الدقيقة. فأنا أرى فيه رفض لفكرتين محوريتين: تأليه الحاكم وتحويله إلى فرعون، وتوجس من دولة دينية، فتراوح التيارات السياسية المختلفة في مصر مكانها بين هذين الهاجسين (الفرعون والإمام) منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأولية (مايو 2012)
فلقد عانى المصريون الأمرين من الحكم الفردي، الذي يتأله فيه الحاكم، مصداقًا لتراثهم الفرعوني الممتد لأكثر من سبعة آلاف سنة. والذي وصل فيه القمع في العقود الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة في الذاكرة الجمعية الحديثة. وبعد الثورة يرفض الكثيرون هذا النموذج خاصة الأجيال اليافعة التي تتطلع إلى العالم الخارجي الذي يموج بمفاهيم الحرية، والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان.
كما تتوجس قطاعات واسعة من الشعب المصري الحكم الديني، وترى في النماذج السابقة من السودان وإيران وباكستان وأفغانستان والصومال ما يؤكد مخاوفها. وحينما يستدعى النموذج التركي، يرون فيه الاستثناء الذي يؤكد القاعدة: فالنموذج الإسلامي للحكم غير ناجح، ويأتي بديكتاتورية دينية (ثيوقراطية) ترفض التخلي عن مقعد الحكم، وتنفي المعارضة، وتجلب معها مفاهيم قراوسطية غير قابلة للتطبيق في عالم ما بعد الحداثة.
وهكذا عبر المصريون عن مخاوفهم بطرق عدة، منها مقاطعة انتخابات الإعادة، فنسبة الناخبين ممن أدلوا بأصواتهم في انتخابات الرئاسة وصلت إلى خمسين في المائة بمشقة من إجمالي عدد الناخبين المسجلين في الكشوف الانتخابية، وهي نسبة أدنى كثيرا من سابقاتها: سواء كان في الاستفتاء، أم في انتخابات مجلسي الشعب والشوري، والإعادات لكل منهما، أو في الانتخابات الرئاسية التي جرت على مدار عام ونصف من عمر الثورة. مما يعنى أن قطاعًا واسعًا من الناخبين لم يلتفت إلى انتخابات الإعادة ولم يشارك بها، كان من بينهم قطاع عريض أطلقوا على أنفسهم (مقاطعون) نشط بعضهم في الترويج لفكرة مقاطعة الانتخابات لرفضهم النموذجين معًا (الإمام) و(الفرعون).
كما أن طبيعة التصويت جاءت في جزء منها لرفض إحدى الفكرتين: إما تصويت لصالح مرشح الإخوان المسلمين رفضًا لإعادة إنتاج نظام عرف بقمعيته وفساده (رفض للفرعون)، وعلى الجانب المقابل جاء التصويت لمرشح الفلول رفضًا للنموذج الديني من الحكم (رفض للإمام).
ولقد تحالفت بعض قوى المعارضة مع الإخوان المسلمين قبل إعلان النتائج ودخلوا في اعتصام مفتوح في ميدان التحرير استمر خمسة أيام قيل الإعلان عن النتائج (ومازال مستمرًا إلى الآن) لرفضهم رجلا من النظام السابق أبدى الكثير من العنف في أحاديثه مؤشرًا إلى نيته في قمع التيارات الثورية بكل أطيافها (الفرعون). وحين أقاموا مؤتمرهم الصحفي جاءوا بصحافي مخضرم كان قد سبق له الإعلان أنه من فئة "مقاطعون" فبماذا نفسر إدارته للمؤتمر إن لم يكن برفضه لفكرة الفرعون؟ وعندما أقامت بعض التيارات والأحزاب الأخرى مؤتمرهم في اليوم التالي. كان محور الحديث هو رفض للدولة الدينية (الإمام).
ولعل أوضح تجليات التوجس من الدولة الدينية هو مطالبة القوى السياسية لمرشح الإخوان المسلمين بالتخلي عن عضوية الجماعة، وحزب العدالة والحرية وهو ما وعد به وأوفى. وغرابة الطلب أعرب عنه رئيس وزراء كندا ستيفن هاربر بعد فوز الدكتور مرسي كأول رئيس منتخب لمصر، حيث قال: " لم أرَ في حياتى شخص يترشح لمنصب الرئيس عن حزب، ثم بعد ان يفوز يطلب منه منافسوه الاستقالة من هذا الحزب، وعدم تشكيل فريق رئاسي منه، وعدم تشكيل حكومة من اغلبية حزبه، والأغرب أنه يوافق كم هي غريبة الديموقرطية المصرية." بالفعل لا يفهم رئيس وزراء كندا عقلية الناخب المصري المتوجسة من الدولة الدينية. ولعله كان سيزداد ارتباكا إذا علم بأن تيارات دينية أخرى تتوجس منه أيضًا. فعلى سبيل المثال وجه فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حديثة إلى الدكتور محمد مرسي بعد نجاحه قائلا" إن الأزهر الشريف، معقل علوم الإسلام ينتظر من الرئيس الجديد، أن يقيم الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة، على دعائم ثابتة من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، وفضائل الإسلام التي تمثل القيم العليا، التي يجتمع عليها الجميع" وأضاف "وأن يذكر دائمًا أنه مسئول عن حماية حقوق المصريين الإنسانية والسياسية والاجتماعية. والأزهر على ثقة من أن رئيس مصر الجديد سوف يتقي الله في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمساواة العامة في حقوق المواطنة بين المصريين جميعًا مسيحيين ومسلمين على السواء." ومن الواضح أن هذا ليس تعريفًا للدولة الدينية بالمفهوم الكلاسيكي، كما أنه ليس حديثا إلى إمام، ولا إلى فرعون.
كما بدأت بعد يوم واحد من إعلان النتائج النهائية الدعوات لرفض تأليه الرئيس، ولعل أبرزها ما نادت به الدكتورة هبة عزت رؤوف أستاذ العلوم السياسية حيث دعت من خلال التويتر إلى احتفاظ الدكتور محمد مرسي لصوره وهو يصلى في ألبومه الخاصة، وحثته على نشر صوره وهو يزور القرى والنجوع. ولا يجب أن تفوتنا رمزية اختيارات الدكتورة هبة رؤوف لنماذج صور الدكتور مرسي، وهي المعروفة بأنها من ذات الجماعة. فهي ترى أن ما يهم الشعب المصري هي أعمال الرئيس المنتخب وتأثيرها عليه كمواطن، وليس علاقاته الخاصة بربه، فنتائج أعماله، وليس عباداته هي ما يهمنا كشعب. ومن عرض القول أن الرئيس المنتخب لا ينظر إليه على أنه الفرعون حيث يشار عليه بما يجب وما لا يجب عليه فعله.
وهكذا يتأكد لدينا من مثل تلك المؤشرات وغيرها الكثير أن إشكالية الفرعون والإمام هي ما حير النخبة المصرية على مدار شهر ونصف، فهي كانت تفضل الانحياز لدولة مدنية بامتياز – كما ذكرت في مقالة سابقة – وعندما فشلت أخذت تقلم أظافر الرئيس المنتخب وتشذب من مكانته، وتقلص من مساحة الحركة المتاحة له .. وهو لم ينصب بعد ..
نقلاً عن الحوار المتمدن
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :