د.ماجد عزت إسرائيل

  تعد مدينة أفسس من أعظم المدن الأغريقية القديمة في شبه جزيرة الأناضول، وتقع المدينة غرب الأناضول في منطقة ليديا Lydia، وبالتحديد عند نهر كيسترCayster  الذي يصب في بحر إيجة. ويحدها من الجنوب الشرقي إزمير، وهي ضمن لواء آيدين الذي يتبع حاليًا الدولة التركية. وتقع المدينة فلكياً على خط العرض 65 ,37 وخط طول 22 ,27. وأطلق عليها قديماً اسم آياثلوغ أو أياسلوغ Ayaslough، وباللغة التركية Efes، وباللغة الفرنيسيةEphèse، وباللغة اليونانية  Έφεσος أفسوس، وباللغة الإنجليزية  Ephesus ويرجع الفضل في تأسيسها إلى  الإغريق القدامي خلال القرن العاشر قبل الميلاد.وقد بنيت أفسس على ثلاث مستويات؛ فالمدينة الأولى كانت على ساحل بحر إيجة، ثم انتقلت المدينة بعد ذلك إلى الداخل مرتين وربما يرجع السبب لذلك لطغيان البحر برماله على الشاطىء، أو بسبب الحروب التي شهدتها المدينة في القرن السادس قبل الميلاد،وحاليًا مدينة أفسس على بعد 10 كم عن البحر.   
 
    ومنذ القرن الثامن قبل الميلاد،أصبحت مدينة أفسوس مركز لتجارة آسيا الصغرى فأشتهرت بثروتها وببنوكها الضخمة والمنشأة على شاكلة البنوك البابلية،وأيضًا بنشاطها التجاري مع بلاد الشرق الذي طبع كل سياستها. ومن الجدير بالذكر حكمتها عائلة ميلاس Mélas  ، وفي القرن السابع قبل الميلاد حكمها ملك جارتها ليديا،ثم ضمها كورش الكبير إلى فارس؛ وحررها الإسكندر المقدوني عام (334 ق.م)، واستعادت نشاطها التجاري تحت حكم ليسيماخوس. ومنح الرومان إدارتها للملوك برغمة ما بين عام(190-133ق.م)، ثم صارت حاضرة ولأية آسيا الرومانية المزدهرة.واستولي عليها ميتريدات عام(88 ق.م). وأفسوس هي مدينة أرطاميس Artemis  إلهة الصيد والخصوبة المقدسة. شيد لها فيها معبد ضخم يعرف باسم معبد الإلهة ديانا وهو يعد من عجائب الدنيا السبع، شارك في بنائه ملوكها على مدى أكثر من 120 عاماً احترق المعبد عام(356 ق.م)، فأعيد بناؤه. ثم قام السكيتيون بنهبه وتدميره في القرن الثالث قبل الميلاد. وقد استخدمت أنقاضه من أحجاره في بناء بعض المؤسسات البيزنطة في مدينة القسطنطينية
 
 
   ولمدينة أفسس مكانة كبيرة عند كل المسيحيين بكل طوائفهم حيث كانت أهم مركز للمسيحية؛ لإنها المدينة التي بشرها القديس بولس الرسول وعاش بها ما بين(54 – 57م)، وكتب رسالته لها ما بين عام(61-63م) تحت اسم" رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس"،وقد كتب في مقدمتها قائلاً:" بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، إِلَى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ:نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ".كما شهدت أفسس جادل القديس بولس مع المحتشدين من الحرفين الذين كانوا في خدمة معبد أرطاميس، وبكلمه واحده صرف الجميع "وَلَمَّا قَالَ هذَا صَرَفَ الْمَحْفِلَ."( سفر أعمال الرسل 19 :41).كما كتب الرسول بولس رسالة إلى أهل كورنثوس الأولى من مدينة أفسس.
 
  وبعد وفاة الإمبراطور الروماني دوميتيان  Domitian(51-96م)،عاد القديس يوحنا الحبيب إلى أفسس، في عهد الإمبراطور تراجان Trajan(98-117م)، وقد تنيح في حوالي100م. ومن الجدير بالذكر أن القديس يوحنا تحدث عن أفسس في سفر الرؤيا حيث ذكر قائلاً: « كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا كَصَوْتِ بُوقٍ قَائِلًا: «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. وَالَّذِي تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثِيَاتِيرَا، وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ»(سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 10-11). كما يوجد على جبل كوريسوس في محيط مجمع أفسس منزل يٌعتقد بأنه أخر بيت سكنت فيه القديسة مريم العذراء.وحاليًا يبعد نحو7 كم من مدينة سلكك Selçuk، وهو أحد المزارات الهامة لهذه المدينة. ومن الجدير بالذكر أن هذا المنزل تم اكتشافه  في القرن التاسع عشر الميلادي عن طريق راهبة ألمانية، تدعى آن كاترين إمريخ، رأت رؤيا فيها مريم العذراء ويوحنا الرسول في طريقها من القدس إلى أفسس. ووصفت منزل مريم العذراء في كافة التفاصيل، والتي تم تسجيلها في سريرها من قبل كاتب يدعى برينتانو، ونشرت رؤيتها في كتاب من قبل كليمنس برينتانو بعد وفاتها. وهذه الراهبة آن كاترين تم تطويبها من قبل البابا يوحنا بولس الثاني في(3 أكتوبر 2004).
 
   كما شهدت مدينة أفسس عقد المجمع المسكوني الثالث عام 431م والذي تناولت جلساته ما يربط العقيدة المختصَّة بالعذراء في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بلقب الـ ”ثيئوتوكُس“ Theo-tokos أي ”حاملة أو والدة الإله“. ولقد أوضح البابا كيرلس الأول البطريرك رقم 24(412-444م)، ومعه مجمع أفسس،عقيدة الـ ”ثيئوتوكُس" عام(431م)، بأنْ اختصر الطريق إلى النقطة الأساسية في التجسُّد، بأنَّ المولود من العذراء: كان هو ابن الله متَّخذاً جسداً من القديسة العذراء مريم منذ لحظة الحَبَل ثم الولادة. وقد أرسى لفظ مجمع أفسس الحقيقة الإيمانية بأنَّ مريم كانت هي والدة الإله المتجسِّد ”بحسب طبيعته البشرية“، وليس ”بحسب طبيعته الإلهية“: ”فقد وَلَدَتْ بحسب الجسد كلمة الله الأزلي الذي صار جسداً (إنساناً)“. 
 
  على أية حال، كان لسقوط القسطنطينية في يد الاتراك العثمانيين عام 1453م تأثير كبير على تراجع مكانة مدينة أفسس كمركز للمسيحية. واليوم يذهب الآف المسيحيين إلى مدينة أفسس لزيارة الأماكن المسيحية التي شهدت العديد من الأحداث الهامة في تاريخ المسيحية.