محمد محمود
عندما نتناقش في أوطاننا التي تخضع للثقافة العربية، حول مفاهيم مثل الحداثة والحضارة والمدنية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق العمال وحتى حقوق الحيوانات، وعن مفاهيم أخرى مثل الحرية الشخصية والحقوق والواجبات وحرية الآخرين بالنسبة الي حريتي الشخصية والحدود الفاصلة بين العام والخاص، إلى آخر هذه القائمة الطويلة من المفاهيم التي تنهض بالمجتمعات، نكتشف الآتي....
أن كل تلك المفاهيم السابقة، لها معان مختلفة تماما ومغايرة بالكلية عن معانيها الأصلية التي على أساسها نهضت وتحضرت كل دول العالم، شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، والتي لا يمكن تجاوزها وتخطيها في اي مشروع نهضوي تنموي تحديثي في اي بلد بالعالم...
سنكتشف مثلا، أن مفهوم التقدم مختلف لدينا عن مفهوم التقدم لدي العالم كله ( ليس أوروبا وأمريكا فقط)، فالتقدم حسب ثقافتنا المهيمنة هو العودة للخلف، العودة للزمن الأول، العودة لعهد السلف، استنادا على حديث نبوي ( خير القرون قرني، فالذي يليه، فالذي يليه)، واستنادا على قول آخر للخليفة عثمان بن عفان يقول فيه ( لا يصلح آخر هذه الأمة، إلا بما صلح به أولها)، وغيرهما من الأقوال والأحاديث والروايات التي تؤكد أن التقدم والازدهار والعزة والنجاح فقط بالرجوع للخلف أربعة عشرة قرنا كاملة......
هذا الربط بين متناقضين ( التقدم والعودة للماضي) خلق جماعات بشرية تعاني انفصاما نفسيا وانفصالا عن الواقع المحيط، خلق جماعات تتكلم لغة ميتة بمفردات طلسمية غير مفهومة ، تؤدي إلى حالة من الصمم وحالة من البكم تمنع وصول أي معان جديدة أو تحديث لتلك المعاني القديمة ومفرداتها البالية.....
مجتمعات وجماعات بشرية تعاني من مأزق حضاري وانساني غير قابل للإصلاح من غير مواجهة صريحة وحاسمة حول جذور المشكلة واسبابها الحقيقية دون مواربة ودون خجل...
قراءة واقعية علمية لتاريخ بشري ونزع القداسة عنه وعن شخوصه واخضاعه بالكامل للنقد والعقل النقدي الواعي...
الساتلايت الذي نجلس أمامه طيلة اليوم عمره اكثر من خمسة قرون وليس عشرات السنين فقط، فلولا حرية فكر كوبرنيكوس وجاليليو وروسو وفولتير وكانط واسبينوزا وابن رشد والمعري وابن خلدون، وعشرات بل مئات من البشر الافذاذ لما تقدمت الإنسانية خطوة واحدة للأمام، ولو خضعت الإنسانية لتهديدات رجال الدين في العصور الوسطى ما أمسكنا اليوم بهاتف محمول ولا ركبنا طائرة ولا اطلقنا صاروخا للفضاء...
وكما ينعتق الصاروخ من جاذبية الأرض التي تسحبه للأسفل، ينعتق الإنسان من قيوده واغلاله وينطلق نحو عالم أرحب وسماوات أوسع، وكما تغلب برونو المحروق على قاتليه، سيتغلب الوطن على قامعيه ذوي الوجوه المتعددة، تارة بإسم الدين وتارة بإسم الوطن