منى مكرم عبيد
قرار البرلمان الأوروبى بخصوص أوضاع حقوق الإنسان فى مصر يدق ناقوس الخطر حول كيفية التعامل مع هذا الملف خلال الفترة المقبلة فى ظل حساسيته المفرطة، واحتمالية فتح النقاش حوله من الإدارة الأمريكية الجديدة، خاصة أننا سبق وأن تحدثنا عن هذا الأمر، والإشارة إلى أن دول الاتحاد الأوروبى تغازل إدارة بايدن الجديدة بإثارة هذا الموضوع.
أتذكر حينما شاركت مع الوزير النابه محمد فايق، والراحل الدكتور حافظ أبو سعده، فى تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، كان البعض ينظر إلى أن قضية حقوق الإنسان تعد ترفًا وليست من أولويات الحكومة أو البرلمان، حتى مرت الأيام وأصبحت تحتل مكانة مهمة فى صناعة القرار، والتلويح بالعقوبات بسببها فى ظل عالمية حقوق الإنسان، وبالتالى لا يمكن أن نكون بمعزل عن العالم، والمهم أن تكون لنا القدرة والحنكة فى التعامل مع هذا الملف لحماية مصالح بلادنا.
علينا أن نضع فى الاعتبار أن قضية حقوق الإنسان لم تعد تحتل المكانة التى كان يستخدمها الغرب إبان عهد مبارك، فالظروف تغيرت خاصة أن مصر تعاملت مع الأمر بشكل مختلف، وهو ما يكشف عن ترهل رؤية المسؤولين فى عصر مبارك، فالموضوع سهل وبسيط ولكن كان بحاجة لتفكير وخطوات واضحة وجريئة، فحقوق الإنسان وحدها لا تتعلق بحرية التعبير، أو ممارسة الشعائر الدينية، بل هناك الحق فى المسكن، الحق فى المأكل، الحق فى الصحة، فحركة حقوق الإنسان العالمية تقوم على عمودين: الأول يتعلق بالعهد المدنى للحقوق المدنية والسياسية، والثانى يتعلق بالعهد المدنى للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما ارتكنت إليه الدولة فى عهد السيسى، من حيث وحدات سكنية نموذجية لمحدودى الدخل، نقل الأسر الفقيرة من أماكن خطرة إلى مساكن حديثة، مبادرة مشروع 100 مليون صحة، القضاء على فيروس سى، رفع ميزانية العلاج على نفقة الدولة، وغيرها من المبادرات الاجتماعية لتخفيف العبء على الفقراء.
يبقى الاهتمام بملف الحريات المدنية، وهو ما أراه أصبح على أجندة الدولة المصرية حاليا، وهو ما بدا فى خطاب الرئيس السيسى خلال زيارته الأخيرة لفرنسا، بعد الاستقبال الكبير الذى حظى به، وهو ما يكشف عن تقدير باريس للسيسى ودور مصر المحورى، والرد بكل سهولة وسلاسة على الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتأكيد الرئيس السيسى على أن هناك عبئًا على الدولة لتوفير حياة كريمة للمصريين وأولويات محددة وهو ما يحدث فى الفترة الأخيرة، وأن مصر ليس لديها شىء تشعر بالحرج منه.
بحكم حصولى على جوقة الشرف برتبة ضابط من الرئيس الفرنسى الأسبق ساركوزى وتعاملى عن قرب مع المسؤولين الفرنسيين أشعر بأن مصر نجحت فى تحقيق جبهة قوية مع فرنسا لمواجهة المطامع التركية، كما نجحت فى إرسال رسائل تحذيرية للمجتمع الفرنسى من خطورة احتضان العناصر الإرهابية والمتطرفة على أراضيها وما قد يتسبب ذلك من مخاطر، ويبدو أن فرنسا قرأت الرسالة جيدًا، وستشهد الفترة المقبلة تعاونًا فى هذا الملف.
ماذا بعد؟
أعتقد أنه فى ظل هذا الزخم العربى والإقليمى الذى قامت به مصر فى عهد السيسى يسمح لها بالتعامل مع أى رئيس أمريكى، سواء كان بايدن أو غيره، فالصقل المصرى أصبح ملحوظا، سواء من العلاقات المصرية الأوروبية القوية، أو حتى التعاون الاستراتيجى مع روسيا وعدم الاتكال على واشنطن وحدها، وهو ما يجعل أى رئيس أمريكى حريصًا على عدم خسارة القاهرة أو التهديد المباشر لها دون قراءات التبعيات.
على المستوى الشخصى، سبق أن التقيت العديد من الساسة الأمريكان، وأعلم بواطن الأمور هناك، واستقبلت مادلين أولبرايت التى تولت من قبل منصب وزير الخارجية الأمريكية فى منزلى، وتناقشنا كثيرا عن أهمية عدم استخدام التهديدات فى التعامل مع القاهرة، كما سبق وحذرت خلال تواصلى مع شخصيات أمريكية رفيعة المستوى بعد ثورة 30 يونيو 2013 من خطورة معاداة الإرادة الشعبية المصرية، وأن الشعب المصرى انتفض ضد جماعة استغلت الديمقراطية أسوأ استغلال، وأن الصندوق وحده لا يعبر عن الديمقراطية، وهناك عدد كبير من الفريق الذى سوف يعتمد عليه جو بايدن خلال الفترة المقبلة التقيت بهم من قبل، منهم روبرت مالى مدير برنامج للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى مجموعة الأزمات الدولية فى واشنطن، وسبق أن عملت معه فى هذه المجموعة من قبل ومرشح بقوة لملف التفاوض مع إيران، إلى جانب تمارا كوفمان ويتس، التى شغلت منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى فى عهد هيلارى كلينتون، وهى أيضًا مرشحة لمنصب رفيع المستوى فى الشرق الأوسط.
ختامًا.. هذا هو المشهد المصرى بكل تفاصيله فى مواجهة الفريق المحتمل للرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن، وهو ما يعنى ضرورة الحذر واليقظة فى إعداد الملفات والتعامل معها بندية حفاظًا على استقرار الشرق الأوسط، وحسن اختيار الشخصيات فى التواصل مع الإدارة الأمريكية الجديدة حفاظًا على المصالح المشتركة، وعدم الخشية من طرح أى ملفات، خاصة أننى لاحظت بوادر انفراجة فى التعامل مع هذا الملف مؤخرًا.
* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم