بقلم / نجيب محفوظ نجيب .
كنت أمضى في طريق عودتي إلى المنزل، وكان الوقت متأخراً فقد أقترب ميعاد طلوع الفجر، ولكن المنظر لفت أنتباهى واستوقفنى، فهو شاب يجلس وحيداً أعلى أحد الأرصفة سانداً ظهره على سور إحدى المبانى، متكئاً برأسه على حائط السور ، رافعاً نظره نحو السماء ...
أقتربت منه في هدوء، فبدأ لي لأول وهلة أنى أعرفه رغم أن ملامحه قد تغيرت، فقد كسا الحزن وجهه، وتسلل بعض الشعر الأبيض الى رأسه، وأطلق لحيته ، فهو صديق دراسة لم ألتق به منذ 5 سنوات ، أى منذ أن تخرجنا من الكلية، ألقيت عليه التحية فلم يرد ، جلست الى جواره وهمست إليه في مودة :
ماذا بك ... ؟! أرى أن الهموم قد أحاطت بك وأثقلت على كاهلك.
قال لي ولايزال واجماً : " خمس سنوات مضت وأنا كما أنا ... أبحث عن نفسى فلا أجدها ... كلما ألتحقت بعمل لا أجد نفسى فيه فأتركه ... تعبت من تكرار المحاولة ... يأست من كل شىء فى الحياة ... فلم يعد للحياة معنى بالنسبة لي ... "
قلت له: ربما نحلم ولكننا لا نستطع تحقيق الحلم ... ربما نحاول ولكننا لا نستطع أن نصل ... وليس معنى هذا أن الحياة قد انتهت، فالحياة مستمرة، ورغم أن الليل يبدو طويلاً وليس له آخر لكن لابد وأن تشرق الشمس في نهاية الأمر لكى نرى النور بأعيننا وتتسلل أشعتها إلى أعماقنا ... ولهذا يجب ألا نتخلى عن أحلامنا ونسعى دائماً ... محاولين تحقيقها، فمهما كانت الريح قوية وعتية يجب ألا ننحني أمامها ... وعندما نحلم ونحاول يجب ألا ننسى دائماً أن ربنا موجود ... فنحن دائماً في فكره.. ولن ينسانا أبداً.. وعندما تواجهنا الحياة بتقلباتها العاصفة، ومشاكلها التي لم ولن تنته، ينبغي ألا تكون هذه المشاكل هي الموجودة
بيننا وبين الله، ولكن يجب أن نضع امام أعيننا دائماً أن يكون الله هو الموجود بيننا وبين المشاكل، فلا نعود نقل " يارب عندي مشكلة كبيرة " بل فلنقل " يا مشكلة عندي رب عظيم ". بقيت معه نتبادل أطراف الحديث ونستدعى الذكريات حتى أختفى القمر وظهرت الشمس مشرقة معلنة بداية يوم جديد ...
ودعته بعد أن وعدني أن يحاول من جديد ... ويستمر فى المحاولة حتى يتحول حلمه إلى واقع يعيشه ... فقد غادر الحزن وجهه تاركاً أبتسامة أمل أشرقت لها ملامح وجهه أملاً في غد قريب أفضل من الماضي البعيد.