فيفيان سمير
خلقت الآلهة مصر، ووضعت العدالة بين الناس على الأرض. كانت العدالة هي الهدف الذي يصبو إليه الجميع. كانت الإلهة ماعت تمثل لدى قدماء المصريين "العدل" و"الحق"، لهذا احتلت ريشتها في محكمة الآخرة مركزا مميزا ، حيث يقاس بالنسبة لريشة الحق "ماعت" وزن قلب الميت لمعرفة ما فعله في دنياه، من حياة صالحة سوية مستقيمة تتفق مع "الماعت " أم كان جبارا ظالما فاسدا مفسدا.
كان لاعتقاد قدماء المصريين في الحساب بعد الموت أكبر الأثر في ردع النفوس عن ارتكاب الذنوب والشر . ويبدأ الميت في الدفاع عن نفسه قائلاً: لم أقتل أحدا، لم أفضح إنسانا، لم أشكو عامل لدى رئيس عمله، لم أسرق، وقد كُنتُ أطعم الفقير، وأعطى ملبس للعريان، وكنتُ أساعد الناس، وكنت أعطى العطشان ماءً. كان القانون هو الأساس الذي قامت عليه الحضارة الفرعونية وكان العدل هو الحارس لألاف السنين. لذلك كانت مصر هي أول دولة بحق عرفها العالم منذ فجر التاريخ.
القانون والعدل أخر ملامح الدولة التي تشوه وجهها، وأنسحب بساط الحضارة من تحت أقدامها، أخر الخيوط التي تربطنا بالأرض، بالوطن، أخر حصون الأمان والسند في زمن ساد فيه الفساد والتجبر والظلم. في زمن لم يعد المصري يقسم أنه لم يفضح أنسانا وأنه أعطى ملبس للعريان، بل غابت فيه النخوة والشهامة، وتجرأ الجرم لدرجة خلع ما يستر عورة مجتمع بأكمله، وإسقاط شرف رجاله تحت أقدام سيدة مسنة، لا تملك قوة ولا جاه لكنها تملك جنسية كيمت.
حين يقف رجل القضاء ليبرئ هؤلاء، مطلقًا يد قانون الغاب، ناسفًا معنى الدولة، مسقطًا أخر ورقة توت نحتمي بها، مطلقَا رصاصة غدر بظهورنا الأمنة للعدل، كيف أدافع عنكِ كيمت الجميلة، وأنا مهانة، منكسة الرأس، عارية من كل كرامة، لم يشفع لي حبي لك، ولا أسمك الذي أحمل بشهادة ميلادي، لا أجد ما أدافع به عنكِ أمام نفسي، امام محكمة عشقك المنعقدة بقلبي منذ ميلادي بأرضك، لا أجد ما أدافع به عن شعورٍ يحتضر بروحي، "الانتماء" كلمة... أصبحت جوفاء تطن، دون معنى حقيقي، أصبح أسمك بلدي غريبا عني وبلا وقع في داخلي إلا الخوف.