أصبحت تقى محمد، صاحبة الـ27 عامًا، الحاصلة على بكالوريوس الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر، من أشهر نساء الفيوم، بعد تخصصها في تغسيل وفيات كورونا، منذ بداية الأزمة وحتى الآن، وهو الأمر الذي تتخذه كعبادة، قبل أن يكون عملا إنسانيا.
ولم يكن العمل الإنساني الذي تقوم به إلا اقتداء بالدها، الذي طالما استمعت إلى حكاياته عن تغسيل وتكفين الموتى، لتظل هذه الأفكار عالقة في رأسها مدة طويلة، رغم أن الخوف كان يُخالجها بالنظر إلى صعوبة الأمر عليها وهي فتاة صغيرة.
كانت البداية حينما كانت طالبة بالصف الثالث الثانوي، وطلبت من إحدى المُغسلات أن تصطحبها معها لتُساعدها في تغسيل المتوفيات وتكفينهن، وظلت تساعدها لمدة ثلاثة أعوام حتى أصبحت مُتمكنة وتقوم بالتغسيل والتكفين بنفسها.
7 أعوام مرت حتى الآن، على تقى، وهي تقوم بتغسيل وتكفين المتوفيات بمفردها، وعندما جاءت أزمة كورونا وظهرت أول حالة وفاة بمحافظة الفيوم هرب الجميع من تكريم الموتى بكورونا خوفًا من انتقال العدوى إليهم.
فكانت «تقى» هي «الجوكر» حيث لم تترك متوفية بكورونا إلا وقامت بتغسيلها وتكفينها، سواء في منزلها أو في ثلاجة الموتى بمستشفيات العزل، حتى اشتهرت داخل عزل مستشفى التأمين الصحي وأصبحت واحدة من العاملين بالمستشفى.
وقالت «تُقى» في تصريحات خاصة لـ«الوطن» إنّها تجد راحتها وسط الموتى، حيث تشعر بضعفهم وتدعو لهم بالرحمة والمغفرة، كما أنها ترسل معهم رسائل لله ولأحبائها المتوفيين، واصفةً ثلاجة الموتى بـ«بيتي الثاني».
ولفتت الفتاة، إلى أنّها تعرضت لمواقف مؤسفة كثيرة خلال فترة الكورونا لن تنساها باقي حياتها، أبرزها كان في شهر أبريل الماضي حينما رفض شاب استلام جثمان والدته بسبب وفاتها بـ«كورونا» وعرض عليهم مبلغا ماليا مقابل تولي المستشفى مسؤولية تكريمها، فتشاجرت معه ثم قامت هي بتكريمها، وأقنعته بدفنها.
وأضافت «تُقى» أنّها لا تخشى الإصابة بكورونا، مؤكدة أنها تأخذ احتياطاتها كاملة، وتحافظ بشدة على الإجراءات الوقائية، وتلتزم بارتداء الكمامات والفيس شيلد، بالإضافة إلى بدل العزل والجوانتيات الجلد، والكُزلك في قدميها.
وأوضحت "تُقى" أنّها تأثرت نفسيًا جدًا بسبب كثرة حالات المتوفيات بكورونا، ولكنها وضعت نفسها مكانهن قائلة «الحمدلله ربنا جعلني سبب لتكريم الستات دول وأنا قدها وما زلت مش بتأخر عن أي حالة في أي مكان بفضل وكرم وتوفيق ربنا».
وأكدت "تُقى" على أنّ عدد حالات الوفاة بكورونا كثيرًا جدًا لا يُعد، مؤكدةً أنّها كسرت حاجز أرقام كبير جدًا لا تعلمه لكنه كبيرًا فعلًا.
ونفت «تقى» أنّ تكون قد شعرت بالخوف في أي وقت من الموتى، حيث إنّ المتوفية تُشبه الطفل الصغير، والفرق بيننا وبينهن أنّها لا تتحرك مثل الشخص النائم، والخوف من الأحياء وليس من الأموات، والميت في النهاية إنسان مهما كان جبروته وفي هذا الوضع والموقف يكون لا حول له ولا قوة.
وكشفت الفتاة، أنّها بسبب كثرة حالات الوفاة وبسبب زيادة الضغط عليها وعدم تمكنها من تكريم تلك الحالات بمفردها قامت بتعليم والدتها وأصبحت تأخذها معها لتكريم المتوفيات في الأيام التي تشهد وفيات كثيرة.
وعن أصعب موقف تعرضت له خلال رحلتها مع تكريم المتوفيات، تروي «تقى» أنّ صديقتها المقربة وزوجة ابن عمها في نفس الوقت تدعى «هاجر» وكانت تبلغ من العمر (22 عامًا) وأُصيبت بكورونا وهي حامل في الشهر السادس، وتم نقلها إلى مستشفى الصدر واحتُجزت لمدة 11 يومًا وبسبب حدوث إضراب من الأطباء والتمريض لم يكن أحد يتابع حالتها واضطرت هي للمبيت معها في العناية المركزة وسط مرضى «كورونا»، وذات يوم ذهبت لتفطر في منزلها حيث كانت صائمة فأبلغوها بأنّهم نقلوها إلى مستشفى العزل بسبب تدهور حالتها، وبينما كانت تبكي خوفا عليها فوجئت بعمها يخرج من المستشفى يبكي وقال لها «هاجر ماتت يا تقى».
وبيّنت أنّ الخبر مثل لها صدمة قوية، ولكن ما صدمها أكثر هو دخول «هاجر"» ثلاجة الموتي، وحصولها على دور بين الحالات التي من المفترض أن تقوم بتغسيلها وتكفينها، وعندما وقفت أمامها انهارت ولم تتمكن من تغسيلها واستعانت بإحدى صديقاتها لتتولى تلك المسؤولية بينما كانت تقف هي تتذكر كل لحظة عاشوها معًا خصوصًا أنّهم يعيشون في منزل واحد، ثم قبلتها واحتضنتها بعدما تم تكفينها وودعتها، وظلت معها حتى غطاها التراب.
وطالبت «تُقى» أهالي محافظة الفيوم خاصة والمصريين عامةً بالالتزام بالإجراءات الوقائية اللازمة، والحفاظ على ارتداء الكمامة الواقية تجنبًا للإصابة بفيروس كورونا المستجد، خصوصًا أنّ الحالات ارتفعت بشكل كبير في الموجة الثانية والوفيات أصبحت كثيرة جدًا.