سمير عطا الله
يقع الكاتب فى مأزق مهنى عندما يبنى موقفاً يدرك أنّه معاكس لرأى الأكثرية من الناس. بيع من مذكّرات باراك أوباما فى اليوم الأوّل أكثر من 800 ألف نسخة. وسوف تكون من الكتب السياسية الأكثر مبيعاً. ولكن بعد العودة إلى «الأرض الموعودة» أكثر من مرّة، لم أعثر على باراك أوباما الذى كان بلوغه البيت الأبيض يوماً من أيام التاريخ فى المسيرة البشرية: رجل من أصول إفريقية إسلامية، يصل بالاقتراع إلى رئاسة الدولة التى خاضت أفظع الحروب الأهلية فى نزاعها العنصرى حول العبودية. لم أخفِ يومها حماسى الوجدانى للإفريقى الفائز بسباق المسافات الطويلة والحواجز العالية. فمثل أى إنسان، رأيت فى الفوز خطوة تعنى كلّ فرد فى العالم، خصوصاً أنّ الحدث فى أمريكا، وليس فى بلد مثل السويد أو الدنمارك، محدود التأثير.
لم يكن فوز أوباما مهمّاً فقط، بل كان «طريفاً» أيضاً، بما أحاط به من حكايات عمّاته فى كينيا، أو أخبار أخيه الشقى فى عاصمتها. وقبلها طبعاً، حكايته هو، الأب الإفريقى والأمّ البيضاء، وسنوات الطفولة فى إندونيسيا مع أمّه، بعيداً عن الأب المزواج، ثم وصوله إلى هارفارد ومجلس الشيوخ. كلّ شىء كان مثيراً، خصوصاً الجزء الأوّل من سيرته.
«الأرض الموعودة» (وليس «أرض الميعاد»، كما ترجمها البعض)، عبارة عن كتابة تقريرية جافّة، خالية من أسلوب أوباما السابق، يحاول أن يضيف إليها بعض الألوان هنا أو هناك. لكن فى نحو 750 صفحة، لا نعثر على الرجل، خصوصاً الكاتب الذى نبحث عنه.
حاولت التأكّد من أنّ رأيى هذا، ليس مبنيّاً على إخفاقات أوباما فى المنطقة، وتعثّره الذى أطال حروبها. وأعتقد أنّنى تأكّدت. قد يكون أوباما ترك القسم الأهمّ من مذكّراته إلى الجزء الثانى. لكنّ نجاح «الأرض الموعودة» فى المبيع، لا يتناسب مع القيمة السياسية والأدبية للكتاب. وفى أى حال، فإنّ توقيع ِآل أوباما وحده، كافٍ لطبع الملايين من النُّسخ. هكذا حدث مع كتاب ميشيل أوباما: «أن تكون» أو «أن تصل»، وهو سيرة ممتعة حقّاً لأوّل أمريكية أولى ببشرة سمراء. مذكّراتها للقراءة. مذكّراته للحفظ.
نقلا عن صحيفة «الشرق الأوسط»