يوسف سيدهم
غني عن القول أن أي مصري -أو مصرية- يترشح لتقلد منصب قيادي في مؤسسة دولية مرموقة هو فخر عظيم لمصر لا يفوقه فخر سوي أن يسفر ذلك
الترشيح عن اختياره بالفعل لشغل المنصب وتحمل مسئولية القيادة… فبجانب ما ينطوي عليه الاختيار من تقدير وتكريم تلك الشخصية والاعتراف بقدراتها علي تحمل المسئولية, يصاحب ذلك أيضا الشرف الذي تحظي به مصر بأن أبناءها وبناتها يشقون الصفوف ويرتقون إلي العالمية… والأمثلة علي ذلك تفوق ما يمكن حصره سواء في الماضي أو الحاضر حتي أني لن أخوض في ذكر أسماء بعينها أو مناصب محددة شغلوها لئلا أسقط في مغبة التقصير أو الإغفال حيث إن جميعهم -وجميعهن- بمثابة قيمة وقامة وفخر لمصر.
لكني أقول ذلك لأني لأول مرة أجدني متوجسا إزاء ما تردد عن فرصة ترشيح شخصية مصرية لمنصب عالمي, ولأول مرة أسأل نفسي: هل مصر مستعدة في هذا التوقيت للتفريط في عطاء وفكر ورؤية وقيادة هذه الشخصية وما تحمله من مسئولية قومية؟… وقد يقول قائل: ولم لا؟… إن مقومات القيادة والتطوير والإصلاح تقتضي إعداد منظومة متكاملة من المعايير والخطط والكوادر البشرية والخبرات المؤهلة لتنفيذ ومتابعة التطوير, وهذا ركن مهم من أركان نجاح القيادة والشخصية المسئولة… ولكني أعود وأضيف أن المعترك الذي نحن بصدده علي درجة عالية جدا من الأهمية ولا يتحمل إطلاقا أن يتعرض لتعثر أو ارتباك أو انتكاس إذا غاب صاحب الرؤية قبل أن تنضج خططه وتثمر النتائج المأمولة منها.
ودعوني أدخل في الأمر الذي استرعي اهتمامي من خلال مقال منشور في الأهرام بتاريخ 15 ديسمبر الجاري للكاتب الأستاذ أنور عبداللطيف تحت عنوان: الدكتور طارق شوقي لقيادة اليونسكو… صحيح أن المقال لا ينطوي علي أي تصريح رسمي في هذا الصدد, لكنه يقدم تحليلا جادا ومقنعا للمقومات التي تؤهل وزير التربية والتعليم المصري الدكتور طارق شوقي لأن يترشح لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم يونسكو خلفا لمديرتها الحالية الفرنسية أودري أزولي التي تنتهي فترة رئاستها للمنظمة في غضون شهور قليلة… وأستأذن كاتب المقال في أن أنقل للقراء من هذا المكان أهم الملامح والمؤهلات التي ساقها في هذا الصدد:
** الدكتور طارق شوقي يمتلك الخبرة العلمية, فهو الحاصل علي درجة الدكتوراه من واحد من أعرق المعاقل العلمية في الولايات المتحدة معهد ماساشوستش للتكنولوجيا علاوة علي شغله درجة أستاذ الميكانيكا النظرية والتطبيقية في جامعة إلينوي أكثر من عشر سنوات.
** الدكتور طارق شوقي يمتلك الخبرة العملية في مجال التربية والثقافة والعلوم, حيث نجح في تنفيذ العديد من المشروعات حول العالم في مجال تطبيقات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في التعليم والعلوم والثقافة, كما شغل منصب مدير مكتب اليونسكو الإقليمي في الدول العربية في الفترة من 1999 إلي 2012
.
** ونأتي هنا إلي مربط الفرس: الدكتور طارق شوقي لديه خبرة مؤسسية من خلال توليه منصب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر, واستطاع إلي حد كبير -وأرجو أن أسترعي انتباهكم إلي تعبير إلي حد كبير لأني سأعود إليه لاحقا- أن يطهر المناهج التعليمية في المدارس من دروس التطرف كما تعامل بنجاح مع البيروقراطية العريقة في وزارته عن طريق توظيفها لتحريك الجمود الذي أصاب قطاع التعليم وما لحقه من تخلف وما اقترن به من منظومة الحفظ والتلقين والدروس الخصوصية والقوالب الثابتة للامتحانات والتقييم المعتمد علي الأسئلة والإجابات سابقة التجهيز… وتمكن هذا الرجل بعد إزاحة جبال التخلف من جعل التعليم يواكب العصر في آلياته وأدواته.
*** أتفق جدا مع مقال الأستاذ أنور عبداللطيف في كل ما ساقه بشأن خبرات وإنجازات واستحقاقات الدكتور طارق شوقي التي تؤهله ليترشح رئيسا لليونسكو مع ما يحمله ذلك من شرف عظيم لمصر… ولكني أعود إلي تعبير استطاع إلي حد كبير الذي ساقه الكاتب في معرض الثناء علي سياساته في مجال إصلاح وتطوير منظومة التعليم ورؤيته التقدمية التي تحدث -ولا أقول أحدثت- ثورة حقيقية واعدة نحو إيقاظ عقل الطفل والتلميذ والطالب المصري في جميع مراحل التعليم وربطه بأدوات وآليات العصر والتكنولوجيا بهدف خلق جيل- تتلوه أجيال- مؤهل لشغف العلم والشك والبحث والابتكار… من هنا يأتي توجسي من تفريط مصر في الدكتور طارق شوقي حتي لو كان في مقابل شرف المنصب العالمي, فهذا الرجل يمتلك بالإضافة إلي ما ذكر قدرا كبيرا من الإصرار والعناد علي إنجاح رؤيته وخططه, ومصر ماتزال في حاجة ماسة لجهوده.