رغم أن العالم يعانى من جائحة «كورونا»، التى أزهقت أرواح الآلاف فى العالم فى فترة قصيرة، وداهمت بلادنا لولا يقظتها- منذ اليوم الأول- مما أضعف من آثارها علينا، فإن هذا كله يجعلنا نشكر الله، لأنه برغم من تلك الجائحة، عبر ويعبر بنا الوباء، ونحن نصلى دائمًا لله فى القداس الإلهى من القرون الأولى قائلين فى صلاة الشكر: «فلنشكر صانع الخيرات الرحوم الله.. لأنه سترنا وأعاننا وحفظنا وقبلنا إليه وأشفق علينا وعضدنا وأتى بنا إلى هذه الساعة. نشكرك على كل حال ومن أجل كل حال وفِى كل حال..».
المفهوم الصحيح للقوة
مفهوم القوة.. «لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: «بَطَلٌ أَنَا» (يوئيل 10:3)
الحوار والهدف
والقديس بولس الرسول فى عصر الرسل كان لا يكف عن الشكر لله فى كل أحواله، ويدعونا أيضًا بالشكر:
- «كُونُوا شَاكِرِينَ» (كولوسى 15:3).
- «شُكْرًا ِللهِ» (رومية 6: 17، كورنثوس الأولى 15: 57، كورنثوس الثانية 8: 16، 2: 14، 9: 11، 15).
- «نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ» (تسالونيكى الأولى 13:2).
- «اشْكُرُوا فِى كُلِّ شَىْءٍ» (تسالونيكى الأولى 18:5).
- «يَنْبَغِى لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ» (تسالونيكى الثانية 3:1،13).
- «شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ» (أفسس 20:5)
- «شُكْرًا ِللهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِى لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا» (كورنثوس الثانية 9: 15).
إنها حقًا ثمينة هى كنيستنا، تجعلنا نفتخر بها وبطقوسها، وبصلواتها، والآباء الذين سلموها لنا.
فما هى هذه العطايا؟
إن عطايا الله للإنسان كثيرة ومتميزة، وهى أوسع، وأعلى بكثير مما يتصوره البشر، وهذه بعضها:
1- عطية الوجود. 2- عطية الرعاية الإلهية.
3- عطية الحرية .4- عطية الخلود.
1- عطية الوجود:
أ- فنحن بإلهنا العظيم «نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» (أعمال 28:17). فالحياة هى عطية الله للإنسان «فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ» (يوحنا 4:1)، والحركة هى عطية الله من خلال الصحة، ونقصد بالحركة مفهومها الشامل: حركة الروح نحو الله، وحركة العقل نحو الاستنارة بنوره الإلهى، والتفكير السديد، وحركة النفس بالحب نحو الآخرين، وحركة الجسد إذ يسعى الإنسان فى الأرض.
ب- أما «الوجود» (Existence)، فمعناه أن الإنسان له خصوصية الاتصال بالإلهيات: وقد قال عنه سليمان الحكيم: «جعل الله الأبدية فى قلب الإنسان، التى بدونها لا يدرك الإنسان العمل الذى يعمله الله، من البداية إلى النهاية» (جامعة 11:3).
ج- بمعنى أن الإنسان المؤمن يعرف معنى وجوده، ويدرك عمل الله فى الكون، ويفهم أن «الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ» (عبرانين 3:11). وأن الله سلط الإنسان على الأرض وما فيها، وأنه صنيعة يد الله العظيم، ومن هنا يدرك سر وجوده، كتاج لخليقة الله على الأرض، جاء ليصنع مشيئة الله، ويمجد اسمه، وبعد أن تنتهى رحلته بسلام يرجع الإنسان إلى خالقه الخالد، ليقضى الأبدية السعيدة.
د- الإنسان المؤمن يرفض المذاهب الملحدة الوجودية، والتى تقول إن «هذا الوجود لا طائل منه» (سارتر) أو «أن هذه الحياة تستحق الانتحار، ولكنى لا أفضل ذلك» (ألبير كامى). كما يرفض مذهب «العبث» لدى صامويل بيكيت الذى كان يقول: «إن الإنسان يخرج من ظلمة الرحم، ويمضى إلى ظلمة الأرض، لينتهى فى ظلمة القبر»، وذلك لأنه لم يستنر بنور الإيمان، فيعرف أن الله هو النور «سَاكِنًا فِى نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ» (تيموثاوس الأولى 16:6)، وأن مصير الإنسان، بعد أن يترك الجسد وعالم الخطيئة، أن يدخل إلى أنوار الأبدية السعيدة.
2- عطية الرعاية الإلهية:
يقول إلهنا العظيم للإنسان المحدود البسيط:
- «لاَ تَخَفْ لأَنِّى مَعَكَ» (تكوين 24:26).
- «فِى الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يوحنا 33:16).
- «عَيْنَا الرَّبِّ إِلهِكَ عَليْهَا دَائِمًا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ إِلى آخِرِهَا» (تثنية 12:11).
لذلك يهتف الإنسان المؤمن:
- «إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟» (رومية 31:8).
- «إِذَا سِرْتُ فِى وَادِى ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِى» (مزمور 4:23).
الإنسان المؤمن يعرف أنه فى عالم يسود فيه الظلم والسحق والعدوان والضيقات والآلام، ويوسوس فيه الشيطان للبشر ليرتكبوا المعاصى، ويدوسوا الحقوق، ولكنه يعرف أيضًا أن إلهنا العظيم بار وعادل، يرفض الظلم ويعاقب عليه، فهو الذى قال لليهود قديمًا، ولا شك أنه ما زال يقول لهم حتى الآن: «وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِى الشَّرِّ، أَوْلادِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا به.. كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ.. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِى، مَنْ طَلَبَ هَذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِورِى؟.. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا. اِغْتَسِلُوا. تَنَقُّوا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَىَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. وهكذا طلب الرب من شعبه على الدوام.. ثم انتقل للجانب الإيجابى فقال لهم: تَعَلَّمُوا فِعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. أنْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ» (إشعياء 4:1-16).
إن الدين ليس أفيونًا للشعوب، كما ادعى الماركسيون، بل هو إكسير الحياة، وصلابة الإيمان، وهو الدرع الواقية للإنسان، فى مواجهة ظلم أخيه الإنسان. وتعاليم الدين دائمًا فى اتجاه نشر الخير بين البشر، ونشر المحبة والسلام، وإعطاء الحقوق لأصحابها.
وفى النهاية يقول داود النبى عن رعاية الله لنا: «الرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ. الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ». (مزمور 121: 7، 8) (يتبع)
نقلا عن المصرى اليوم