مراد وهبة
فى عام 1977 دعيت للمشاركة فى مؤتمر عن الفلسفة الإسلامية بسان فرنسسكو بأمريكا وكان عنوان بحثى «ابن رشد والتنوير». وإثر الانتهاء من إلقاء بحثى قال لى رئيس المؤتمر محسن مهدى، وهو أستاذ كرسى للدراسات العربية بجامعة هارفارد: «إن أهم ما جاء فى بحث الدكتور مراد وهبة هو أنه ألقى الضوء على القرن الثالث عشر الذى انتقلت فيه فلسفة ابن رشد من قرطبة إلى باريس حيث بدأ تأثير ابن رشد فى تشكيل العقل الأوروبى بسبب نشأة تيار الرشدية اللاتينية». ثم استطرد قائلاً: «إن الذى يدعو إلى التساؤل هو أن ليس ثمة رسالة أكاديمية عن القرن الثالث عشر فى أوروبا». وبناء عليه اقترحت عقد مؤتمر عنوانه «الإسلام والحضارة» نتناول فيه أسباب هذا التعتيم، فتمت الموافقة على أن ينعقد المؤتمر فى القاهرة، وقد كان. إلا أننى فوجئت بعد ذلك باعتذار منه ومن أعضاء الجمعية التى يرأسها عن عدم الحضور. ومع ذلك شرعت فى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بعقد ذلك المؤتمر. إلا أننى فوجئت برفض رئيس الجامعة التى أعمل بها فاقترحت عليه مخاطبة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور عبد الرحمن بيصار، وقد كان، إذ رحب الإمام الأكبر بعقد ذلك المؤتمر.
وكان من بين البحوث المقدمة بحث لبسام طيبى رئيس مركز العلاقات الدولية بجامعة جوتنجن بألمانيا الغربية. وكان عنوان بحثه «الإسلام والعلمانية». وإثر انتهاء المؤتمر أرسلت مذكرة من أساتذة الفلسفة الإسلامية إلى رئيس الجامعة تحثه على عدم نشر ذلك البحث ومع ذلك نشرته. وفى عام 1980 صدر كتاب لبسام طيبى عنوانه «أزمة الإسلام الحديث». وفيه يروى طيبى قصة بحثه فى ذلك المؤتمر وجاء فى مقدمته: «إن أكثر الأفكار خلافية فى كتابى وأعنى بها العلمانية يمكن صياغتها بألفاظ إسلامية». ثم قال فى ملاحظته الملحقة بنهاية كتابه «إن مراد وهبة قد وفق فى نشر بحثى فى أعمال المؤتمر التى تعطل نشرها بسبب المعارضة التى اشترطت حذف البحث».
والسؤال بعد ذلك، الجدير بإجراء حوار حوله هو على النحو الآتى:
ما سبب أزمة العلمانية فى العالم الإسلامى؟، هل هو كامن فى العالم الإسلامى ذاته أيا كان مساره؟.
وإذا أُجرى ذلك الحوار فالإشارة لازمة لرأى قاله المفكر العربى المرموق الدكتور زكى نجيب محمود فى مجلة «المصور» فى 5/2/1993 وهو على النحو الآتى: «إن الذين يقولون إن العلمانية خطر على الإسلام فاتهم أنهم فى كل ما ذكروه إنما يتكلمون عن ديانات أخرى غير الإسلام. وأنا أطالبهم بأن يذكروا لى مثلاً واحداً ليوم واحد مر فى التاريخ الإسلامى كله على شعب مسلم قد تم فيه الفصل بين الدين والدولة بالصورة التى يذكرونها. هذا شىء لم يحدث مرة واحدة فى تاريخ المسلمين. لماذا؟ لأنه شىء غير وارد لا فى عقولهم ولا فى قلوبهم، إنما ورد عند آخرين فما الذى يشغلنا به؟».
والسؤال بعد ذلك:
مَنْ هم أولئك الآخرون؟، هل من بينهم رئيس جمهورية فرنسا الآن إيمانويل ماكرون؟.
نقلا عن المصرى اليوم