وائل لطفى
فى عام ٢٠٠٨ تلقيت اتصالاً من الأستاذ وحيد حامد، كان يكتب فيلم (احكى يا شهرزاد)، وكانت بطلة الفيلم مذيعة توك شو، ولأن وحيد حامد هو وحيد حامد فقد كان يرغب أن يتضمن أحد المشاهد مقدمة لحلقة توك شو حقيقية، سأل أحد الأصدقاء فقال له مشكوراً إننى أفضل من يقوم بهذه المهمة كونى أمارس هذا العمل منذ سنوات، اتصل بى الأستاذ وحيد وشرح لى طبيعة المهمة، ولسبب ما تأخرت فى إنجاز ما طلبه الأستاذ وحيد، ما أتوقف أمامه هنا هو رد فعله.. هذا الدأب الذى كان يحكمه فى عمله، اتصل بى الأستاذ وحيد مرة واثنتين، وأبدى كل وسائل الترغيب بما فيها المكافأة المادية، أحرجنى دأب الكاتب الكبير فى الاتصال وهو من هو.. حصلت على إجازة مما كنت أقوم به وتفرغت لكتابة ما طلب، جزء من التأجيل كان سببه أننى أتهيب أن أكتب كلاماً يضمه مشهد لوحيد حامد رغم أنى أكتب للتليفزيون يومياً ومنذ سنوات.. بطل هذه القصة هو هذا الرجل.. الحريص على أن يؤدى عمله كما ينبغى.. بدأب وبصبر وبالاستعانة بالمتخصصين، كان يمكن لعبقرى كتابة مثله أن يتخيل مقدمة حلقة توك شو، أو حتى أن يستمع لإحدى حلقات التوك شو ويكتب مثلها.. لكنه الدأب.. والدقة والرغبة فى الأفضل هى أحد مفاتيح شخصية هذا الكاتب الكبير.. الذى اختار السيناريو وسيلة يصل بها للناس، لكنه حين التقييم النهائى يقف فى طابور يتقدمه كتاب مصر الكبار نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتلاميذهما.. السيناريو كان حرفته.. لكنه أديب يكتب للسينما، لقد استطاع وحيد حامد أن يقرأ المجتمع المصرى منذ التسعينات تماماً كما استطاع نجيب محفوظ أن يقرأ مصر ككف يده منذ الأربعينات وحتى التسعينات وكما كتب محفوظ (فضيحة فى القاهرة) ويشخصه فى أفلام مثل (طيور الظلام) و(اللعب مع الكبار) و(المنسى) حيث كان بمثابة زرقاء اليمامة.. الذى رأى مبكراً إلى أين تسير مصر، تبقى كذلك قدرته على التقاط النماذج الإنسانية من الواقع فى فيلم مثل (معالى الوزير) حيث يقدم نموذجاً لمسئول فاسد وانتهازى جاءت به الصدفة وسلوكه الوضيع، وهو نموذج مستمر يمكن أن تصادفه فى كل أوان ومكان.
على أن أهم ما تميز به وحيد حامد هو قدرته على أن يرى من موقعه ككاتب ذلك الصراع بين الفساد والتطرف الدينى، وقد عبر عن هذا فى فيلمه الكبير (طيور الظلام) عام ١٩٩٥ وعبر عنه بعذوبة ورقة فى مسلسله الرائع (بدون ذكر أسماء) ٢٠١٥ الذى لم ينل حقه من الذيوع والانتشار لسبب أو لآخر.. فى هذين العملين نرى ذلك الصراع بين الانتهازية والتطرف الدينى الانتهازى هو الآخر.. ونرى المواطن المصرى صابراً وراضياً وشريفاً ويدفع الثمن دائماً.
لقد قرأت عن شماتة الإخوان فى وحيد حامد وعن آراء لبعض المراهقين أو المحبطين الذين اتهموا وحيد حامد بأنه كان كاتب السلطة، والحقيقة كما أراها من أعماله أنه كان كاتب الوطن لا كاتب السلطة، وأن تأييده للدولة الوطنية المصرية لم يدفعه للسكوت عن فساد بعض مسئوليها ولا انتهازية بعضهم، تماماً كما لم يسكت عن تطرف جماعة الإخوان، وأشهد وقد شاهدت مسلسل الجماعة بجزأيه، أنه فهم الجماعة عن حق وقدمها كما هى من الداخل.. ورغم أن المستوى الفنى للإخراج والإنتاج فى الجزء الثانى كان أقل من مستوى كتابة وحيد حامد فإنه تميز بالدقة التاريخية والموضوعية حتى ولو لم يكن الأثر العام إيجابياً، بقى أن وحيد حامد كما يبدو من أعماله تعامل مع السلطة دائماً بندية وموضوعية.. اتفق واختلف.. لم ينسحق.. ولم يهادن.. ولم يعارض لمجرد المعارضة.. ويبقى أيضاً أن السلطة لا تصنع كتّاباً وإنما الذى يصنع الكُتّاب مواهبهم وحبهم لهذا الوطن.. وهو رصيد امتلك منه وحيد حامد الكثير. وأرجو أن نكون من السائرين على دربه فى حب الوطن والإخلاص له دون كذب أو رياء.
نقلا عن الوطن