د. أحمد الخميسي
من الأشياء الطريفة التي انتهى بها العام الماضي قول الممثلة عفاف شعيب :" الراجل اللي يفضل غسل المواعين ما يبقاش راجل"! على كده الرجل الذي يغير الحفاضات للطفل يبقى ضاع خالص وخرج من دائرة الرجولة تماما.
وتذكرني تصريحات عفاف شعيب بقصة تحرير العبيد في أمريكا، حين أصدر الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن اعلانا رئاسيا حرر بموجبه نحو ثلاثة ملايين عبد معظمهم تم شراؤهم من تجار الرقيق في أفريقيا للخدمة في المزارع الأمريكية. حينذاك قامت امرأة ذات توجه إنساني بتكوين مجموعة من خمسة أفراد لاختطاف العبيد وتحريرهم، أي أنها كونت ما يشبه مجموعة فدائية صغيرة لتحرير العبيد، وقد نجحت بالفعل في تحرير عدد كبير باختطافهم وإطلاق سراحهم في أماكن أخرى.
وحين سئلت تلك المرأة عن أصعب شيء كانت تواجهه أثناء تحرير العبيد قالت: " اقناع العبد أنه ليس عبدا"! أي أن تنتزع من العبد موافقته على أن يصبح حرا ! ومع أن التشريعات تميل بالتدريج لانصاف المرأة ووضعها على قدم المساواة مع الرجل، لكن تظل هناك نساء يعشقن العبودية في قرارة أنفسهن، ويمجدن الرجل تمجيدا ضارا حتى ليصبح غسل المواعين طعنا في الرجولة، وليس مساعدة للمرأة في عمل البيت الشاق. أحيانا تبقى المهمة الأصعب هي اقناع المرأة أنها ليست عبدة وأنه من الظلم أن تقضى نصف عمرها في المطبخ من دون أن يكون لديها الوقت الكافي لتطوير إنسانيتها بالقراءة والاستماع للموسيقا وحضور الحفلات الفنية. والواقع أن العمل المنزلي الذي يقع بكامله على كاهل المرأة سبب رئيسي في وضعها المتخلف نسبيا، وكل رجل حكمت عليه ظروفه أن يعيش وحيدا ولو لشهرين يعرف تمام المعرفة حجم العمل المنزلي الشاق والتافه الذي يلتهم الوقت، لهذا فإن معاونة الزوجة في البيت أمر بدهي وضروري، لكن من العجيب أنه إذا تقدم الرجل لمساعدة المرأة صاحت: " الراجل اللي يفضل غسل المواعين ما يبقاش راجل"! ومن هنا يبدو أن المهمة الصعبة عند تحرير النساء مازالت هي اقناعهن أنهن لسن عبيدا ! تصرح عفاف شعيب بما قالته، بينما تدور وسائل الاعلام حول تصريح آخر للنجمة رانيا يوسف، التي قالت عن نفسها إن " مؤخرتي مميزة "! وهي نظرة تصب أيضا في اتجاه عبودية المرأة السعيدة بعبوديتها، لأنها نظرة توجز المرأة وتقلصها إلى موضوع جنسي لا أكثر. ومن كلام عفاف وكلام رانيا يتضح لنا أن دور المرأة قاصر على الخدمة والنظافة وإمتاع الرجل بما وهبته إياها الطبيعة، وبذلك تنتفي عن المرأة صفة الزمالة والصداقة والفكر المتبادل وكل ما يرتقي بالعلاقة إلى وضع إنساني بين بشر أحرار.
تظل المهمة الأصعب أن تقنع رانيا يوسف أن المرأة ليست موضوعا جنسيا ، وأن تقنع عفاف شعيب أن المرأة ليست خادمة، ويأتي ذلك في الوقت الذي صدر فيه مؤخرا حكم قضائي تاريخي يمنع التمييز في العقوبات بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا، وكان المعمول به سابقا أن يعاقب الرجل فقط إذا قام بالزنا في منزل الزوجية، بينما تعاقب المرأة إذا وقع الزنا في أي مكان، وجاء في الحكم الذي أصدره المستشار أحمد وسام قنديل أن المشرع ميز بين الرجل والمرأة من دون مبرر شرعي أو موضوعي لهذه التفرقة، وبالمخالفة للدستور الذي يضممن المساواة بين الرجل والمرأة.
ولقد رافقت حركة تحرير العبيد في أمريكا كتابات كثيرة من أشهرها رواية " كوخ العم توم" التي نشرتها المؤلفة " هارييت ستو" قبل عشر سنوات من تحرير العبيد، وكتب آخرون في حينه القصائد والمقالات ومنهم لويد جارسون الذي قاد على صفحات جريدته حملة تحرير العبيد، وظلت إلى يومنا مآسى حياة العبودية مادة للروايات واشهرها رواية " محبوبة " لتوني موريسون، و" مذكرات عبد أسود " لفريدريك دوجلاس ، و" كتاب الزنوج " لورانس هيل، وغيرها، ومع انتصار التشريع المصري للمرأة، ومع المقالات التي يكتبها الكثيرون لانصاف المرأة ، تفاجئك أقوال وتصريحات تثبت أن المهمة الأصعب عند تحرير المرأة مازالت اقناع المرأة أنها ليست عبدة !