سليمان شفيق
يحتفل المصريون بعيد ميلاد السيد المسيح، ومصر تمر بكثير من التحديات، وفى مقدمتها تحدى الإرهاب، وتقديم الشهداء ذبيحة على هيكل الوطن، والاستمرار فى بناء الدولة، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى القرار رقم 602 لسنة 2018، بتشكيل لجنة مركزية تسمى «اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية»، وتتولى اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية وضع الاستراتيجية العامة لمنع ومواجهة الأحداث الطائفية ومتابعة تنفيذها، وآليات التعامل مع الأحداث الطائفية حال وقوعها وتعد اللجنة تقريراً دورياً بنتائج أعمالها وتوصياتها وآليات تنفيذها يعرضه رئيسها على رئيس الجمهورية ، لكن اللجنة لم تجتمع ولو لمرة واحدةَ!!
الان تغلب علي المواطنين المصريين الاقباط «خيبة الأمل»، خاصة بأنهم كانوا من الأعمدة الرئيسية لثورة 30 يونيو، إلا أنهم دائما يدفعون الثمن، بالطبع أبناء القوات المسلحة والشرطة يسبقونهم فى دفع الثمن لكن المواطن القبطى يدفع الثمن مرتين، مرة مع أخيه المسلم كوطنى وأخرى كمسيحى بشكل عقيدى، الأمر الذى يؤدى بقطاع كبير من الأقباط إلى القلق المشروع، وعدم الشعور بالأمان، والانكفاء مرة أخرى داخل «السور المضمون الكنيسة.. هكذا كشف الحكم في قضية سيدة الكرم الذى لم يستهدف جسد امنا سعاد بل جسد الوطن كلة .وادي الي مزيد من الآلم والجراح فى جسد الوطن، خاصة فى الجزء المسيحى من الجسد.. وجاء ذلك الحكم .." صفقة الكرم"، لا ليعبر فقط عن براءة التخلف بل كشف عن تخلف مجتمع ، واحتوي اوراق تم تكوينها زورا وبهتانا من احد النواب السابقين مع احد الضباط المحليين وتواطئ محامي مشهود له بمثل تلك الصفقات مع اصحاب نفوذ وعائلات في اكثر من قضية هؤلاء ممن يسمون بالرجعية في المكان .. ولا عزاء للنساء والفقراء وللدولة المدنية. وبعيدا عن كل ردود الأفعال الإعلامية، وضرورة الكشف عن الجرح المتقيح، دون إسقاط قلب الحقيقة وهى أن التطرف والإرهاب والبلجة الطائفية «الممنهج» ضد المواطنين المصريين الأقباط منذ حادث البطرسية وحتى حادث الأنبا صموائيل، مرورا بمارجرجس طنطا والمرقسية بالإسكندرية وحتي مقتل رمسيس بولس بالورديان علي يد بلطجي، تستهدف الوطن، الدولة، من خلال المواطنين المصريين الأقباط، ويعلن الإرهابيون ذلك صراحة، ولكن يظل الحكم الصادر بتبرأة من عروا امنا سعاد حدث شعبي من غوغاء قرية تلخص الظلم ضد النساء خاصة الفقيرات القبطيات . الاستهداف الممنهج الإرهابى او الهمجي المتجسد في العقاب الجماعي او التعرية للنساء ضد المواطنين المصريين الأقباط، يستهدفهم بالإساس لمواقفهم الوطنية مع ثورة 30 يونيو والرئيس السيسى جنبا إلى جنب مع الهوية الدينية.. وأعتقد ليس هناك فصل تعسفى بين «السياسى والدينى»، فهما وجهان لعملة واحدة، لأن الكنيسة المصرية كنيسة وطنية، يسبق لاهوت الوطن فيها لاهوت العقيدة فى مسمى «الكنائس الثلاثة: تبدأ تسميتها بـ«القبطية» وبعدها الإشارة للعقيدة «الأرثوزكسية-الكاثوليكية- الإنجيلية» والاستهداف الدينى واضح وفق أى معايير لأن حوادث البطرسية ومار جرجس طنطا والمرقسية بالإسكندرية، و دير الأنبا صموائيل وصولا الي الحكم بالبراءة مرورا بقتل العم بولس بالورديان ، كل تلك الاحداث كانت تستهدفهم وهم يصلون، أو فى طريقهم للصلاة فى الدير او في محالهم وهم يعملون، او انتهاك حرمات نساؤهم كما في قرية الكرم.
لا يولد المسيح مرة فى السنة، بل يولد كل لحظة مع ميلاد كل طفل جديد، ومع كل بداية سلام ومحبة جديدة، ومن يتأمل الحدث سيجد أن العذراء كانت حبلى فى الشهر الأخير، بما يترتب على ذلك من متاعب وآلام، ولكنها ذهبت مع خطيبها يوسف النجار إلى بيت لحم من أجل التسجيل فى محل الميلاد، استجابة لأوامر الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر، وتحققت النبوءات القديمة من تلك الزيارة الوطنية فى التسجيل المدنى، حينما ذكر فى الإنجيل: «يا بيت لحم، أرض يهوذا، ما أنت الصغرى فى مدن يهوذا، لأن يخرج منك رئيس يرعى شعبى»، «متى/ 2 - 6»، هكذا ارتبط الميلاد بحدث مدنى وطنى، ومن هذا المنطلق الروحى الكتابى تأسست وطنية كنائسنا القبطية، حتى أن تسميتها القبطية أولًا، ثم الأرثوذكسية أو الكاثوليكية أو الإنجيلية، حيث يسبق لاهوت الوطن لاهوت العقيدة، وعلى تلك المبادئ «الوطنية المسيحية»، التى انبثقت من ميلاد المسيح، تصدت الكنيسة القبطية للمحتلين، وتعرضت إلى كل الاضطهادات من الرومان وحتى الصليبيين، ولكنها وقفت فى شموخ مع الأرض والوطن، ولم ترد العنف بالعنف، وهكذا كان الأقباط فى طليعة الشعب المصرى فى كل الثورات، ولم تكن ثورة 30 يونيو هى الثورة الأولى التى شارك فيها المواطنون المصريون الأقباط، بل كانت الثورة السادسة.. الأولى كانت 1804 حينما وقف البابا مرقص الثامن، والمعلم إبراهيم الجوهرى مع عمر مكرم، وشيخ الأزهر الشيخ الشرقاوى فى الثورة لخلع الوالى العثمانى خورشيد باشا، وتنصيب محمد على باشا، مؤسس الدولة المصرية الحديثة، وكذلك 1882 وقف البابا كيرلس الخامس بجوار أحمد عرابى، وشيخ الأزهر محمد المهدى العباسى فى وجه الخديو توفيق، وأيد البابا عرابى طوال الثورة العرابية، وبعد الاحتلال البريطانى حدث العقاب الجماعى للأقباط بالإسكندرية، فيما سُمى «مذبحة الإسكندرية»، على غرار ما حدث بعد 30 يونيو «14/18 أغسطس 2013»، وكذلك نفى البابا إلى دير البراموس 1890 من الإنجليز لمواقفه الوطنية، نفس البابا وقف بجوار «الوفد» وسعد زغلول فى ثورة 1919، جنبًا إلى جنب مع شيخ الأزهر، أبى الفضل الجيزاوى، وهكذا وقف كيرلس السادس مع جمال عبد الناصر، والحق المصرى فى استعادة الأراضى المحتلة بعد 1967، وصولًا إلى موقف البابا تواضروس الثانى من 30 يونيو، مرورًا بموقف البابا شنودة من عروبة القدس والتطبيع، مما تسبب فى احتجازه فى دير الأنبا بيشوى.. ست ثورات، وستة دساتير «1882، 1923، 1958، 1971، 2012، 2014» شارك فيها الأقباط بالدم.
ولد المسيح فى بيت لحم على مرمى بصر من القدس التى أحبها، وبكى عليها، وقال: «إنجيل متى 23: 37» «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا»!
ومازالت كل الحوارات حول القدس تتم بعيدًا عن كونها مدينة السلام، والفكر الصهيونى اخترق أغلب العقول، وأصحاب الديانات المختلفة، ولم يعد الأمر استعادة القدس، بل استعادة العقل والضمير.. نعم إسرائيليون وفلسطينيون، أولاد إبراهيم عليه السلام، تارة النازية تضع اليهود فى أفران الهولوكست، ثم يلقى بلفور عقدة ذنب الغرب وكرة اللهب إلى أرض فلسطين «أرض الميعاد»، وتقتل الضحية الإسرائيلية ضحيتها الفلسطينية، ويخرج الطرفان من الكتب المقدسة أسفار وآيات الدم، وتقتل الضحية الإسرائيلية ضحيتها الفلسطينية، والعربان شهود، ولا أحد يفعل سوى استدعاء الله سبحانه وتعالى، مرة يهوديًا وأخرى مسيحيًا وثالثة إسلاميًا، ويتعمد ويتوضأ الضحايا بالدم للصلاة المقدسية فى محراب العربان وتجار السلاح والدين.
يولد المسيح ويتعرض للاضطهاد، لكنه لم يجد سوى مصر ليلجأ إليها، ويأمن من شر الرومان، رغم أنهم كانوا يحكمون مصر أيضًا، لكنه احتمى بأهلها لتتحقق النبؤات أيضًا «متى 2: 15»، إن لجوء المسيح إلى مصر هروب من تهديد هيرودس كان تحقيقًا لنبوّة هوشع «11 :1»، 1 «لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابنى»، هكذا ومن ثم الميلاد هو التجسد والاقتداء بالمسيح، ومن بيت لحم إلى مصر تتحقق النبوءات، كل سنة وأنتم مصريون يولد فيكم المسيح المتجدد والدائم الميلاد فيكم