مراد وهبة
إن مصطلح العلمانية عانى من سوء الفهم لسببين: السبب الأول مردود إلى القول إنه مرادف للإلحاد باعتبار أنه يدعو إلى أن يكون الايمان بدين معين حالة خاصة بالفرد وليس حالة ملزمة للمجتمع فى مساره العام، إلى الحد الذى يمكن أن ينزلق فيه المجتمع إلى أن يكون نظامه السياسى مطابقاً لدين معين فيما يسنه من تشريعات وقوانين، ومن ثم تكون النتيجة تهميش أى دين مغاير، الأمر الذى يفضى إلى إشاعة التعصب بلا مقاومة. هذا عن السبب الأول فماذا عن السبب الثانى؟.. إنه القول بأنه مردود إلى أنه مصطلح خاص بالغرب دون الشرق. وحيث إن الشرق كان مستعمراً (بفتح الميم) من الغرب فإن ذلك من شأنه أن يضيف اتهاماً آخر إلى العلمانية وهو أنها تنطوى على نزعة استعمارية. ولا أدل على صحة هذين الاتهامين من أن الذى صك مصطلح اللاليبرالية بديلاً عن العلمانية هو مفكر هندى اسمه فريد زكريا وذلك فى كتابه المعنون «مستقبل اللاليبرالية الديمقراطية فى الداخل والخارج».
الرأى عندى على نحو ما ورد فى كتابى المعنون «رباعية الديمقراطية» (2011) وهى على النحو الآتى: علمانية ومعها إصلاح دينى ثم عقد اجتماعى ومعه التسامح ثم التنوير ومعه سلطة الشعب وأخيراً الليبرالية ومعها سلطة الفرد.
والسؤال بعد ذلك: هل تقنع الديمقراطية بثلاثية مخصوم منها الليبرالية وفى هذه الحالة يقال عنها إنها ديمقراطية لا ليبرالية؟..
إذا جاء الجواب بالايجاب فإن هذا الجواب من شأنه أن يكون توليفة بين نقيضين حادين وهما الديمقراطية التى هى بحكم الضرورة مع الحرية، أما اللاليبرالية فهى بحكم الضرورة ضد الحرية. ومن ثم يصبح مصطلح اللاليبرالية موضع شك بل موضع إزالة. ولا أدل على صحة رأيى من سببين: السبب الأول أن الليبرالية، فى الرباعية، تقع عند القمة والعلمانية تقع عند السفح. ومعنى ذلك أن جذور الليبرالية فى العلمانية. وإذا كانت العلمانية عندى تعنى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق فالأصولية تعنى التفكير فى النسبى بما هو مطلق وليس بما هو نسبى، ومن هنا يكون التناقض الحاد بين العلمانية والأصولية. ومعنى ذلك أن الأصولية تمنع تأسيس الديمقراطية من بدايتها والتى هى العلمانية. هذا عن السبب الأول فماذا عن السبب الثانى؟.. إنه مردود إلى أن الديمقراطية لا تعنى تداول السلطة بالاقتراع السرى المباشر على نحو التعبير الشائع إنما تعنى فى المقام الأول هوية السلطة، أى التساؤل عما إذا كانت علمانية أم أصولية. ولا أدل على صحة هذا الرأى مما هو حادث الآن فى فلسطين من أزمة حادة سببها مردود إلى هوية الحكومة الفلسطينية فى غزة، إذ هى أصولية على الأصالة منذ أن استولت على السلطة فى عام 2007. وهكذا يسقط مصطلح الديمقراطية اللاليبرالية، كما يتوارى كتاب فريد زكريا بلا رجعة، وقد كان إذ لم يعد أحد يتحدث عنه.
نقلا عن المصري اليوم