هاني لبيب
أعلم جيدًا أن البعض يبحث لنفسه عن مكان فى العالم الافتراضى بالآراء الشاذة، على غرار ما يكتبه عبدالله رشدى ويصرح به ضمن سلسلة طويلة من التصريحات المسيئة له. وهو ما تناولته فى مقال الأسبوع الماضى بعنوان «كل سنة وأنت عبدالله رشدى!».
وقد وجدت العديد من التعليقات التى تستحق التناول والتعليق عليها لأهميتها. لقد اعترض البعض على رفضى مصطلحات التكفير، وكتبوا: «أنت كافر بدينى، وأنا كافر بدينك. أنت حر فى عقيدتك، وأنا حر فى عقيدتى.. ده قمة الحرية الدينية». وتناسى أصحاب هذه التعليقات التبعات التى يمكن أن تترتب على تصنيف المواطنين، إذ يمكن أن يكون لها رد فعل مباشر عند البعض من معتنقى الفكر الداعشى، ليترجم عمليًا بعد ذلك فى الهجوم على كنيسة أو تفجيرها، أو قتل مواطن مسيحى. وهى تصرفات لا يمكن التحكم فيها، إذ إنها قد تستهدف وتكفِّر أى مسلم لا يتفق مع أفكارهم، وما حدث مع فرج فودة ونجيب محفوظ مثالٌ دال.
الوصف بـ«الكفر» أمر مرفوض لأن الجميع فى النهاية يعبد الله، كما أن احترام مشاعر المختلف دينيًا لا يعنى الإيمان بعقيدته أو التنازل عنها، ولكنها قاعدة المواطنة التى تؤكد قبول الاختلاف والتنوع والتعددية. وبدلًا من الانشغال بتكفير بعضنا البعض، يمكننا أن نتكاتف معًا لصالح نهضة الدولة المدنية المصرية وتقدمها والحفاظ عليها وعلى تماسك وحدة شعبها.
كتب آخرون كذلك أنه كان يجب أن أتجاهل عبدالله رشدى.. لأنى بهذا الشكل أساعده على نشر أفكاره الشاذة وأعطيه أهمية وقدرًا أكبر منه، و«لعنة الله على الفتنة ومن يوقدها.. فهم من أصحاب الفكر الشاذ والمتطرف مهما كانت عباءة الدين المستتر خلفها». وهو قول صواب شكلًا وغير دقيق فى مضمونه، لأن أمثال عبدالله رشدى لهم انتشار غير طبيعى على مواقع التواصل الاجتماعى، ولهم أتباع ومريدون وموالون.. وليس معنى عدم ظهور هؤلاء لنا على الفيسبوك وتويتر أنهم غير موجودين، ولذا أعتقد أنه من الأفضل دائما الرد على أفكارهم الشاذة حتى لا نتركها تنتشر دون مواجهة حقيقية على ما يطرحونه ويظنه البعض أنه صحيح الدين.
لا أنتقد مثل هذه الأفكار منتظرًا من عبدالله رشدى وأشباهه أن يمنوا على المسيحيين بتهنئة فى مناسبة ما، فلكل مواطن ثوابته الدينية والاجتماعية وحريته فى الاحتفال بالأعياد أو المناسبات، وهى جميعها تقع ضمن نطاق التراث والفولكلور الشعبى وتميز بين شعوب العالم، كما أنها فى النهاية مظاهر فرح وسعادة وامتنان دون أى تجاوزات فردية من البعض أو ممارسات غير قانونية، ولن يضيف إليها قليلًا أو كثيرًا كلمة من هؤلاء.
أحترم كل التعليقات والأفكار التى كتبها الأصدقاء تعليقًا على المقال، ولكنى أؤكد وأكرر أن ما نحتاجه هو التأكيد على المساحات المشتركة من القيم والمبادئ السامية للأديان فى التوحيد بالله والعدل والمساواة والتسامح وقبول الاختلاف، وهى مساحات كبيرة جدًا بين الأديان السماوية، وتظل مساحة الخصوصية فى العقائد الدينية باعتبارها من مطلقات كل دين هى المساحة الصغيرة التى لا يجوز المقارنة أو التفضيل على أساسها بين الأديان.
نقطة ومن أول السطر..
كلمات مأثورة كتبها العديد من الأصدقاء فى التعليقات: «من لا يحب الإنسان الذى يراه.. لا يعرف الله الذى لا يراه».
نقلا عن المصرى اليوم