وسيم السيسي
هذا عنوان كتاب للدكتور يسرى هاشم، كتاب صادم، صادق، مؤلم، يؤرخ لحقبة زمنية قصيرة، ولكنها خطيرة.. أقسم الكاتب ألا يقول شيئًا إلا الصدق، وكانت صراحة مفزعة أحيانا، جميلة فى معظم الأيام، لأن الجمال هو الصدق.
أهدى د. يسرى كتابه إلى روح الدكتور محمود عمر، وهو الاسم الحركى للدكتور رؤوف نظمى ميخائيل، وفاءً لعهده له فى مرضه الأخير. كان أسطورة.
ذهب الدكتور يسرى ضمن كتيبة الأطباء المصريين الشرفاء للدفاع عن القضية الفلسطينية وعلاج الجرحى من الفدائيين. كان ضمن هذه الكتيبة الطبية دكتور أحمد شوقى العقباوى، والذى كان أكثر الموجودين ثقافة، وكيف وصلت سرعته فى القراءة إلى كتاب كامل يوميًا، وكيف عين فيما بعد أستاذًا للطب النفسى بجامعة الأزهر، كان مفكرًا حرًا، فيلسوفًا ساخرًا مما يراه.
يحدثنا الدكتور يسرى عن لقائه الأول مع الزعيم ياسر عرفات، وكيف كان بسيطا، أعد الشاى بنفسه للدكتور يسرى، وفى الوقت نفسه لم تعجب الدكتور يسرى تحركات فتح فى الأردن، حتى إنه شعر أنها تريد الاستيلاء على السلطة فى الأردن أكثر من اهتمامها بالكفاح المسلح ضد إسرائيل- ص٥١.
ازداد الخلاف بين فصائل المقاومة والسلطة الأردنية، حتى إن حركة جورج حبش، وحركة نايف حواتمة، رفعتا شعار: لا سلطة إلا سلطة المقاومة، وكانت هناك نقاط تفتيش للحكومة أو المقاومة، كان التفتيش على الهوية، فكان تعليق د. العقباوى: نحن نعيش مسرحية هزلية.
كان الدكتور يسرى يعمل فى مستشفى الأشرفية، وفى يوم 17 /9 /1970 انفتحت أبواب الجحيم على المستشفى وكل ما يحيط به، كان أيلول الأسود، كان الجوع، والعطش، والجثث المتعفنة، حتى إن الجثث كانت مئات مرصرصة إلى جانب بعضها، وفى يوم اختفت الرائحة، ذلك لأن الجثث تفحمت، وكان سبب تفحمها أن القوات الأردنية اعتقدت أنهم جنود المقاومة!! شربوا محاليل المحل والجلوكوز، قام الدكتور يسرى ببطولات لإنقاذ الأطفال، عرّض نفسه للموت، قبضت المقاومة على ضابط أردنى جريح، أراد الشباب قتله، تصدى لهم د. يسرى، احتضنه الرجل وبكى وقال: كنتم أعداء لنا ونكرهكم، الآن أنا أحبكم.
ظل الضرب والقصف حتى تمنى د. يسرى الموت- ص١٣١- حتى كان الأحد 27 /9/ 1970 كانت آخر عملية للدكتور يسرى لأحد الجنود، وكان الجندى فى حاجة للدم، تبرع الدكتور يسرى بدمه لإنقاذ هذا الجندى، كان الجحيم بعينه، وإذا بالقصف يتوقف والجحيم يهدأ، وكان ذلك فى 28 /9 /1970 يوم وفاة جمال عبدالناصر، بكى الكل عليه، وكأن موته كان حياة للفرق المتخاصمة أو فداءً عن الإخوة الأعداء، إنه كتاب جدير بقراءته.
نقلا عن المصرى اليوم