بقلم : الرائع المستنير القمص اثناسيوس حنين
قصة واقعية فى مأثر الحب الغازى
(الشكر الجزيل للاخ والصديق اشرف اسحق الذى ذكرنى بهذه الخبرة العزيزة الى نفسى ولقد تركت العنوان كما خطته يده الكريمة ليس استحقاقا بل تكريما لمن كتبه وبصدق )
الاب اثناسيوس حنين – اليونان
وسط أخبار الغزوات الكثيرة التى تمطرنا بها وسائل الاعلام ليل نهار ’ هناك غزوات من نوع أخر قد لا يعلم بها أحد ’ لسبب بسيط وهو أنها لا تجلب مالا بل تكلف حبا ’لا تطلق رصاصا بل تعطى دما ’ فتأخذ روحا . هذه الغزوات لا تعرف الكلاشنكوف بل تستعمل سلاح الكلمة والاقناع وتسير فى الميل الثانى وربما الثالث . كانت هذه الخبرة ’ غزوة حب لقلب انسان يونانى من نسل سقراط وافلاطون ’ مسيحى سليل باسيليوس واثناسيوس ونكتاريوس ومارينا وبأيسيوس وبورفيريوس ’ من عائلة على قدر كبير من الثراء .
ضربه داء الادمان ’ فى البداية سلاوة ’ أدت الى تعود . قضى سنين طويلة فى تعاطى هذه السموم ’ فقد ثروته ومات ابوه وأمه حسرة على شبابه . بقى له فى الدنيا أخ واحد . يأس الجميع من شفائه. استلمت خدمتى الجديدة فى كنيستى الصغيرة (الأجيا سوتيرا كنيسة المخلص ) فى ضواحى بيرية وبالتحديد فى منطقة كامينيا وشارع ثيفون . كنيسة أثرية جميلة .
لم أكن أعرف صديقى المدمن ولا هو كان يتردد على الكنيسة . عاش فى نفسه ومع نفسه فى كورة المخدرات البعيدة وبذر ماله فى عيش مسرف . كان يملك من السيارات أفخمها ويصادق الحسناوات باشارة من طرف اصبعه. استنزفوه وتركوه بين حى وميت . وقفت بجانبه احداهن ولكنها شاركته كل شئ حتى الادمان . من فرط حبهم لبعضهم البعض ’ كان كل واحد فيهم يقول أنه هو السبب فى ادمان الأخر .
كيف التقيته ؟ شاع صيت هذا القس المصرى الذى يصلى فى كنيسة يونانية فى المنطقة ويملاء المنطقة سعادة وحبورا وحبا . جأئنى يوما للتعرف . شعرت أنه غير طبيعى ولكن ثقافته أذهلتنى . لم يتوقع ان يجد ترحابا من قس فى كنيسة . كان الادمان قد أخذ منه الكثير ’ وقطع أخوه عنه المال وقاطعه . بعد أن كان يتعاطى أفخم أنواع المخدرات !!! صار يبحث عن بضعة أفروهات لشراء الجرعة والتى بدونها تتمزق احشائه وتتفك ضلوعه حسب وصفه . رحبت به كما هو ولم نتكلم فى الدين بل فى الحياة والثقافة والسياسة وكل يونانى افلاطون حتى ولو كان مدمن ! وكنا نقوم بتنظيف الكنيسة الاثرية التى ظلت مغلقة زمنا ’ وعمل بجد وساعد بشهامة وأحب الشاى المصرى . ولم أعلق على شئ مما الاحظه . الا أن جائت اللحظة ’ ملء زمانه ’ بعد صلوات كثيرة من أهله ومن الكنيسة الاثرية وقديسيها .
يوجد فى الكنيسة اليونانية ركن للشموع وبجانبها صندوق التقدمات (البنجارى) ’ لاحظت ونحن نعمل فى الكنيسة ان هناك بضع سنتيمات بجانب الصندوق وانا لا أعلم عن الصندوق شيئا لأن الذى يقوم بفتحه هم أعضاء مجلس الرعية فى الكنيسة الأم . تحيرت وسألته بحب فقال لى أنه يريد (6 أفروا) لماذا ؟ لكى يشترى الجرعة والا سيموت الما . وهنا قررت ركوب الصعب وضرب ضربتى او ضربة الرب وليكن ما يكون ! قلت له . من اين لك بهذه الجرعة ؟ اشتريها من بعض الاجانب فى وسط المدينة . فقلت له سأذهب معك. ذهل و ظننى أمزح . وأخذته فى سيارتى الى وسط البلد واعطيته الستة افروا وانتظرته فى السيارة .
اصابه الذهول ’ كيف يذهب معى هذا الاب الى هذا المكان وماذا لو قبض علينا معا ! من ذلك اليوم بدأ العد التنازلى لتوبة صديقى ولا ينسى ابدا ذهابى معه الى وسط البلد والمخاطرة بأن أصير شريكا ومتهما . لم يكن من السهل التوقف فجأة عن هذه السموم . تعودت أن اعطيه السته افرو ليشترى الدواء كما كنت اسميه. بدأ العمل فى الكنيسة وجدد الايقونات الخشبية ونظف الايقونات المرسومة على الحائط وبذل نفسه حبا جسمانيا ’ فعوضه رب الكنيسة بالصحة الروحية والنفسية . تعجب أهل الحى من ان ابونا الجديد يستضيف هذا النوع من الناس . استمر الحب فى غزواته واستمر صديقى فى توباته وانسكابه تحت البدرشيل . المشكلة هى فى العلاج الطبى الباثولوجى والنفسى بعد أن أمنا الغطاء الروحى . لابد من أن يدخل فى برنامج العلاج الذى تقدمه الدولة اليونانية تحت اشراف اختصاصيين فى الطب النفسى علاج الادمان فى مركز متخصص .
كان من المستحيل أن يدخل فى البرنامج لاسباب عديدة ومعقدة . أمنا بالمعجزة وصلينا وسعينا وتم قبوله فى البرنامج الحكومى ويتابع العلاج بهمة ونشاط . مجد أهل الحى وشعب كنيستى الرب على هذه العجيبة ’ عجيبة الحب الغازى ’ قلت لصديقى بعد أن سار فى طريق الشفاء ’ لو أن ما حدث لى وما الت اليه حياتى من احداث ’ غايته فقط هو شفائك وعودتك لحض المسيح فهذا يكفينى ويعزينى ’ أنها أحد غزوات الحب . والى اللقاء فى غزوة أخرى .