بقلم : يوسف سيدهم
مشروع قانون تعديل أحكام قانون الإيجارات القديمة للأماكن غير السكنية يأتي في صدارة مشروعات القوانين, التي بالرغم من آثارها ذات الأهمية القصوي علي سوق العقارات وتوازناتها إلا أنه علي مدي دورتين برلمانيتين متعاقبتين لم تكتمل مناقشته في مجلس النواب وانفضت كل من الدورتين دون إقراره وإصدار القانون الخاص به.
وقبل أن أتعرض لتفاصيل مشروع القانون أسجل أنه سبق وأن عرض علي لجنة الإسكان والمرافق بمجلس النواب -مقدما لها من الحكومة- في منتصف عام 2019 ووافقت عليه اللجنة معربة أن الهدف منه تحقيق المصلحة العامة وليس مصلحة فئة علي حساب فئة أخري احتراما للدستور الذي أكد عدم جواز تمييز فئة علي فئة… لكن انفضت تلك الدورة دون الانتهاء من مناقشته وإقراره في المجلس وانتقل إلي الدورة التالية ضمن حزمة التشريعات التي تزخر بها الأجندة التشريعية علي أمل نظره ومناقشته وإقراره… وانفضت أيضا تلك الدورة ليتبعها دور الانعقاد الأخير في عمر ذلك المجلس وهو الدور الذي انتهي الأسبوع الماضي بنهاية عمر المجلس بتشكيله السابق وبدء انعقاد المجلس بتشكيله الجديد… ومازلنا نتابع أعمال المجلس الجديد ترقبا للإعلان عن الأجندة التشريعية التي سوف يضطلع بها, سواء كانت تتضمن مشروعات القوانين التي لم ينته منها المجلس السابق, أو تلك التي ستحال إليه من الحكومة… لكني أكرر أن مشروع قانون تعديل أحكام قانون الإيجارات القديمة للأماكن غير السكنية ينطوي علي أهمية قصوي في إعادة عدالة طال انتظارها علي سوق العقارات بين ملاكها ومستأجريها… بل إن الأمل يلوح في أن يتبع هذا القانون حال إقراره قانون مشابه يتصدي لإيجارات الأماكن السكنية القديمة وهي الإيجارات المجمدة منذ ما يزيد علي سبعة عقود نتجت عنها عدالة غائبة في العلاقة بين ملاكها ومستأجريها علاوة علي ما أفرزه ذلك من تردي قيمة الثروة العقارية وتهرؤ حالة المرافق والصيانة للعقارات التي تضم تلك الأماكن.
وأعود إلي مشروع قانون تعديل أحكام قانون الإيجارات القديمة للأماكن غير السكنية, الذي وافقت عليه لجنة الإسكان والمرافق بمجلس النواب والذي يعتبر ملحا, فإنه يبسط عدالة انتقالية علي إيجارات هذه الأماكن- وهي أوجه النشاط المهني والتجاري والخدمي والحرفي- قبل أن يسمح بتحرير القيمة الإيجارية تماما ويطلقها لتخضع لمعايير العرض والطلب وللاتفاق بين المالك والمستأجر… لذلك ينص مشروع القانون علي تطبيق فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تبدأ من تاريخ صدور القانون بزيادة القيمة الإيجارية السارية بمقدار خمسة أمثال لمدة سنة واحدة وتسري بعدها زيادة سنوية عليها بنسبة 15% لكل سنة من السنوات الأربع التالية وينتهي بعدها عقد الإيجار, بحيث يتعين علي المستأجر إخلاء العين وإعادتها إلي المالك وإطلاق القيمة الإيجارية الجديدة لها لمعايير السوق وموازين العرض والطلب.
والجدير بالذكر أن لجنة الإسكان والمرافق التي ناقشت مشروع القانون ووافقت عليه صرحت أنه حال صدوره وتطبيقه سوف تنسحب أحكامه علي ما يزيد علي ثلاثة ملايين وحدة غير سكنية خاضعة لقوانين الإيجارات القديمة, الأمر الذي من شأنه تصحيح أوضاع كثيرة مغلوطة ومتراكمة أهمها رد الاعتبار للثروة العقارية المهملة عبر سنين طويلة وتوفير موارد عادلة تمكن ملاكها من العودة لصيانتها وتجديد مرافقها التي تركت تتآكل وتتهرأ… وذلك أيضا من شأنه إقالة الثروة العقارية من كبوتها, وهو جانب علي قدر من الأهمية في إطار الخطة القومية للإصلاح الاقتصادي.
ولعل هناك من يتساءل: لماذا الفترة الانتقالية التي يحددها مشروع القانون طالما الهدف الأسمي هو بسط العدالة والعودة إلي قوانين السوق في العرض والطلب؟… وتأتي الإجابة المنطقية أن الفترة الانتقالية -وفي حالتنا مدتها خمس سنوات- تحول دون حدوث صدمة مباغتة في القيمة الإيجارية, لأنها بالقطع سوف تنعكس علي حسابات التكلفة لسائر الأنشطة والخدمات التي تقدمها الأماكن غير السكنية, وهو الأمر الذي ستكون له تأثيراته علي أسعار الكثير من الخدمات والسلع سوف يشعر بها المستهلك سواء كانت في صورة أتعاب مهنية أو مقابل خدمات, وبالتالي يستلزم الأمر الانتقال المرحلي الهادئ من الإيجارات القديمة إلي بورصة العرض والطلب عبر الزيادة التدريجية المحسوبة.
كما أعود وأقول: رب ضارة نافعة إزاء تأخر صدور هذا القانون, فنحن نستهل هذا الفصل التشريعي في وجود برلمان ذي الغرفتين -مجلس النواب ومجلس الشيوخ- وهو مايفتح الباب لتناول أرحب لمشروع القانون, ويسمح بإضافة أفكار جديدة وخبرات أكثر تنوعا لصالح تحقيق الأهداف المرجوة منه.