تتطور الهواتف بشكل مستمر مع التقدم التكنولوجي، إلا أن نقطة البداية دائما ما تعد أكثر الخطوات خطورة، حيث تمثلت في قيام عالم ومهندس فذ، يدعى ألكسندر غراهام بيل بابتكار الهاتف في شكله الأول، فما هي قصة حياة مخترع التليفون الشهير الذي تأثر فأثر في حياة الصم؟
نشأة غراهام بيل
ربما صار الهاتف من أساسيات التكنولوجيا التي يتمتع بها جميع سكان المعمورة الآن، إلا أن الوضع لم يكن مماثلا في القرن الـ19، حينما ولد مخترع التليفون ألكسندر غراهام بيل.
ولد ألكسندر غراهام بيل في مدينة إدنبرة الاسكتلندية، في 3 مارس عام 1847، فيما نشأ في منزل يقدر العلم والثقافة، حيث كان والده أستاذا لعلم الخطابة في جامعة إدبنرة، أما والدته فكانت عازفة للبيانو رغم معاناتها من الصمم.
اتسم غراهام منذ الصغر بالفضول وحب التعلم، حيث درس الموسيقى تأثرا بوالدته، وبدأ في ابتكار الأشياء منذ كان طفلا، مستفيدا من مهاراته الخاصة في حل المشكلات وإجراء التعديلات، فيما تلقى تعليمه من المنزل قبل الالتحاق بالمدرسة الملكية ومن بعدها جامعة إدنبرة.
غراهام بيل ومدرسة الصم
في عام 1872، قام ألكسندر غراهام بيل بافتتاح مدرسة فسيولوجيا النطق والكلام، الموكلة بتعليم الأطفال الصم كيفية التحدث ونطق الحروف، فيما صار المخترع الشاب أستاذا لعلم الخطابة وفسيولوجيا التحدث في جامعة بوستون، وهو في الـ26 من عمره، رغم أنه كان لا يحمل درجة جامعية حينها.
المثير أن القدر جمع غراهام بيل بزوجة تعاني أيضا من الصمم مثل والدته، وهي مابيل هوبارد، التي كانت ضمن تلامذة بيل، حيث تزوجا في عام 1877 وأنجبا 4 أطفال.
اختراعات غراهام بيل
على الرغم من عدم تفوق ألكسندر غراهام بيل بشكل ملفت على المستوى الأكاديمي، إلا أنه أبدى عبقرية واضحة فيما يخص حل الأزمات عبر طرق ابتكارية منذ الصغر، فبينما كان لا يتجاوز الـ12من عمره، قدم لأسرته اختراعه الأول المتمثل في جهاز بسيط يحتوي على بعض المضارب وعدد من الفرش، من أجل إزالة القشور من حبوب القمح بسهولة، وهو الأمر المفيد لعملية الزراعة دون شك.
قام بيل بعد مرور سنوات بالكشف عن ابتكار آخر تأثرا بمعاناة والدته من الصمم، حيث تلخص في نظام لتعليم الأطفال الصم، بالاعتماد على بعض الرموز التي تمثل أصوات الكلمات، وهو النظام الذي طوره والده، فيما كشف عنه بيل في الولايات المتحدة الأمريكية بعدما انتقل إليها مع أسرته، مع الوضع في الاعتبار أن العالم الشاب حينئذ ابتكر جهاز قياس السمع، الموكل بتحديد مدى قوة أو ضعف السمع لدى أي شخص.
كذلك يعود الفضل إلى بيل في ابتكار جهاز كاشف المعادن، والذي استخدم لتحديد موقع الرصاصة الكامنة في جسد الرئيس الأمريكي الراحل جيمس جارفيلد، والتي أدت إلى اغتياله، علما بأن بيل هو من ابتكر الجرافوفون وهو النسخة الأحدث من جهاز الغرامافون المسؤول عن تسجيل الأصوات واستعادتها.
اختراع التليفون
بدأ غراهام بيل في الاهتمام بمجال وسائل الاتصال في مطلع سبعينيات القرن الـ19، حيث قرر في عام 1871 البدء في العمل على اختراع تلغراف صوتي، وهو جهاز يهدف إلى إيصال عدد من الرسائل المختلفة في نفس الوقت عن طريق السلك الخاص به، وهو الاختراع المبهر حينها والذي لفت نظره إلى المحاولة من أجل إيجاد طريقة لإيصال الأصوات عبر الأسلاك.
في عام 1875، تعاون بيل مع شريكه توماس واتسون من أجل ابتكار جهاز استقبال بسيط لتحويل الكهرباء إلى أصوات، فيما لم يمر إلا عام واحد حتى كشف الصديقان عن براءة اختراع التليفون، والذي شهد الاختبار الخاص به قيام بيل بالتحدث لصديقه من خلاله، قائلا عبارته التاريخية الآن: «أستاذ واتسون، تعال إلى هنا أحتاجك».
تطور الأمر لاحقا، حيث قام غراهام بيل في سنة 1877 بافتتاح شركة بيل للتليفونات، والتي تعرف الآن باسم شركة إي تي آند تي، لتمر السنوات ويشهد عام 1915 قيام بيل بإجراء أول مكالمة بعيدة المدى لصديقه واتسون، من مدينة نيويورك إلى مدينة سان فرانسيسكو الواقعة في ولاية كاليفورنيا.
أقوال غراهام بيل
ربما يعلم الجميع ألكسندر غراهام بيل باعتباره العالم صاحب الابتكارات المبهرة، إلا أنه يملك كذلك مجموعة من الأقوال الملهمة التي استخلصها من مشوار حياته الحافل، ومن بينها:
«عندما يغلق باب يفتح باب آخر، إلا أننا ننظر طويلا إلى الباب الذي أغلق بكل أسى، حتى لا نستطيع أن نرى الباب المفتوح».
«قبل أي شيء، يعد التحضير هو المفتاح للنجاح».
«دائما ما تشهد الابتكارات والاختراعات العظيمة تعاونا بين عدد من العقول».
«قم بتركيز كل أفكارك على العمل الذي بين يديك الآن، حيث لا يمكن لأشعة الشمس أن تحرق إلا عند تركيزها على الأشياء».
وفاة غراهام بيل
عاش غراهام بيل حياة حافلة بالإنجازات، حتى شهد يوم 2 من أغسطس عام 1922 وفاة هذا العالم الفذ في مقاطعة نوفا سكوشيا الكندية، نتيجة لمضاعفات مرض السكري الذي عانى منه لسنوات.
ودع ألكسندر غراهام بيل العالم في جنازة مهيبة شهدت صمت جميع الهواتف في شمال أمريكا، رثاء واحتراما لمخترع الهاتف الذي رحل عن الحياة تاركا أحد أهم مظاهر التطور التكنولوجي في العصر الحديث.