عادل نعمان
دار الإفتاء المصرية تعلن عن حجم الفتاوى لعام 2020 بتخطيها حاجز المليون بثلاثمائة ألف، بزيادة مائتى ألف فتوى عن العام الماضى، بارك الله لنا فى حضور دور ومراكز الإفتاء «وهذا حقهم علينا»، ولا بارك الله فى غياب الوعى واعتلال العقل وتكاسل الرعية «وهذا حقنا عليهم» وهذه الأعداد الهائلة من الفتاوى متمثلة فى الفتوى الشفوية والهاتفية والإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية. وكأن لوباء كورونا المستجد الحضور الأقوى والصدارة فى أعداد الفتوى، وكأن لهؤلاء الريادة فى تصحيح مسار الجماهير، وتوعيتها بهذا الداء، مما كان له الأثر الأكبر فى الحد من تلك الجائحة المدمرة «هكذا جاء البيان» وأكاد أزعم أنه يقصد دور الجهات الرسمية الأخرى الطبية منها والإعلامية وغيرها، ومرورها على البلاد بسلام بغير مرورها على غيرنا من الأمم بالخراب والدمار، وسلمنا من الوباء كما سلمنا من غيره من قبل، «وهذا ما فهمناه من البيان».
ومن هذه الفتاوى التى حاصرت المرض وشدت من أزر المصابين وعزيمتهم فتوى شرعية التزام المواطنين بالتعليمات الطبية، وكذلك التصريح للمتوفين بسبب كورونا ومكافأتهم بدخولهم تحت أسباب الشهادة الواردة شرعًا، وتحذير الناس من الخروج إلى الشوارع فى مسيرات للدعاء على هذا الوباء، وكذلك صواب ترك الشعائر الجماعية فترة المحنة، وجواز إعطاء الزكاة للمواطنين العاملين بالأجور اليومية والمتضررين من هذا الوباء، وكذلك التعجيل بصرف الزكاة فى غير أوانها، والأهم هو السماح والتصريح للرعية بأخذ لقاح كورونا المستخدم فيه مشتقات الخنزير «ليس هناك علاقة علمية بين هذا وذاك، فلا يتعدى الأمر سوى إنزيم معين من الخنزير يساعد على فصل المادة المحفزة لجهاز المناعة عن الفيروس، وزرعه فى مزرعة خاصة وتداوله، ولم نعرف هذا إلا فى لقاح شلل الأطفال» حتى يمنَّ الله على العباد بالنجاة من هذا المرض. وكم كنا نتمنى أن تلقى هذه المصادر الضوء على نوعية الفتاوى ونسب المشاركين فيها، وتصنيف السائلين ومراكزهم العلمية، حتى نحصر المستفيدين من هذه الفتاوى، وتحديد وجهتهم نحو الصواب، وحتى نصل معًا إلى ترتيب وتصنيف العقل المسلم، ومدى اعتماده المنهج العلمى فى البحث والقرار، ومساره بين الصعود والهبوط، ومكانته وموقعه بين استخدام أدوات المستقبل أو الخضوع لآراء واجتهادات الماضى.
والسيد الدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام لدار الإفتاء، يعتبر أن هذه الزيادة فى الإنتاج «تدل على ثقة الناس بدار الإفتاء وعلمائها» ومع احترامنا الشديد لما قامت به دار الفتوى المصرية بهذا الجهد، فهذا واجبها، الفتوى فى محلها ولسائلها، فمن يسأل وجبت له الإجابة مهما كان عمق السؤال أو ضحالته، إلا أن الأمر مزعج لى، فلقد وصلنا إلى حد تجاوزنا فيه حدود العقل والقدرة على التفكير واستخدام المنهج العلمى، فى تناول اللقاح أو الفتوى بارتداء الكمامة، الآن أدركنا إلى أين المسير، فإن الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير.
هل وصل بنا الحال إلى هذا الحد؟ حتى وصلت الفتوى إلى حلل الطبخ والبهارات، الشيخ مصطفى العدوى ينصح سائلة بألا يسمع صوتها الرجال قدر المستطاع، وقد كانت تسأله عن حكم تعليم الطبخ بصوتها «فقط دون صورة» على اليوتيوب، وفتوى جواز استخدام «جوز الطيب» فى بهارات الطعام بالنسبة المعقولة، ولقد وفق الله مشايخنا لهذه الفتوى مخالفين الكثير من المشايخ الذين حرموا استخدام اليسير منه والكثير، وأكاد أجزم بأن ملايين البيوتات المصرية لا تستخدمه فى طعامها، وبهذه الفتوى قد زاد معدل شرائها، ليس استجابة للفتوى بل لمعرفة هذا الطعم الجديد الذى يضيفه للطعام.
الفتوى غير ملزمة وهى اجتهاد شخصى، وتتغير حسب الزمان والمكان، ولا أدرى لها ضرورة فى المسائل الحياتية لخلق الله، ويكفينا فيها آراء العلماء كل فى مسألته فى الطب والهندسة والفلك والقانون والعلوم المختلفة، فهم الأحق بالاتباع، أما فتوى العبادات فهى من حق رجال الدين فقط ليس غير، وإلا قل بالله عليك ما حالنا السياسى إذا آمن البعض بما أفتى به بعض الشيوخ بعدم إباحة الأحزاب السياسية واستندوا فى هذا إلى الأخذ بمبدأ «عموم اللفظ» فى هذه الآية «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم فى شىء» وليس هناك صلة بين هذه الآية وإقامة حياة حزبية متعددة، أساسها الحرية والديمقراطية.
وإليك الأغرب فهذا الشيخ «عبد الله السويلم» يفتى بأن زنا المحارم أهون من ترك صلاة الفجر «وزاد الشيخ «فلو مات تارك صلاة الفجر متعمدًا، فلا تجوز الصلاة عليه، ولا يدفن فى مقابر المسلمين، وهذا رأى الكثير من العلماء، بينما يرى هو وغيره أن الزانى بإحدى محارمه لو مات وهو مصلٍّ فإنه يُصلَّى عليه ويُدفن فى مقابر المسلمين». يا إلهى، إلى هذا الحد يكون القياس؟، ونتساءل: لماذا استهان البعض بزنا المحارم أو التحرش أو الاغتصاب، إلا بهذا التقليل وهذا الاستخفاف وهذه الاستهانة من قدر هذا الجرم؟! وكأن أولى بنا أن نقول إن هذه الأفعال من أكبر الكبائر عند الله، حتى يرتدع الناس ويفيقوا من هول هذه الجرائم، لسنا فى حاجة إلى هذا السيل من الفتاوى. (الدولة المدنية هى الحل).
نقلا عن المصرى اليوم