مقال قديم مجدد في ضوء أحداث مؤلمه
قلم: نبيل صموئيل
نتابع من خلال الاخبار التي تصدمنا يوميا وتُفرد لها مساحات واسعه اعلاميه، وفي وسائل التواصل الإجتماعي، ويتناقلها الناس جميعا عن جرائم وأفعال لاإنسانية ولا أخلاقيه سواء داخل الاسره الواحده وبجرائم لا يمكن لإنسان عاقل أن يتصور حدوثها داخل الاسره، او أخري وللأسف الشديد ببعض الأفعال اللاإنسانية واللااخلاقية والتي تتم بإدعاء انها لحمايه الأخلاق والفضيله في مجتمعنا.
وحينما نحاول ان نفهم وندرك ماذا حدث لنا كمجتمع خلال السبعه عقود الماضيه من تغييرات أدت وسوف تؤدي ربما الي ما هو أسوأ، وما اذا كانت هذه التغييرات التي نمر بها كانت مخططه ام عشوائيه، فسوف نكتشف أن الحاله الثقافيه المترديه التي نعايشها هي نتاج طبيعي لأسباب عده نحاول ان نحللها معا.
فبغياب التربيه تماما عن التعليم وعبر عقود طويله من الزمان فكان ذلك من أهم الأسباب في الحاله الثقافيه هذه، وما تبع ذلك من إهمال شديد لإنخراط النشء في مراحل التعليم المختلفه في تعلم وممارسه الموسيقي والغناء والرقص وتعلم تذوق الجمال من خلال هذه الممارسات، وكذلك ممارسه الرياضه كأداة لتعلم التعاون والتنافس الشريف وتعلم ما كنا نُسميه في الماضي "الروح الرياضيه"، وكذلك الإهمال الشديد في إعداد معلمين أكفاء للعمليه التعليميه، وكذلك لقصور الرؤيه في وضع الأسس لتعليم تربوي صحيح، واعتماده فقط علي مجرد النقل والحفظ والترديد دون وعي أو تفكير.
ومن الناحيه الاخرى فقد تدهورت وبشكل كبير وعبر سنوات طوال الثقافه بقصورها وأدواتها الثقافيه في عموم مصرنا، وإهمال شديد لمكتبات ونوادي الطفل فأصبحت مخازن، وبكل ما كان فيها من أنشطه وتفاعلات ثقافيه تهذب النفس وتسمو بها،
وبغياب الإعلام تماما عن البرامج الثقافيه الإذاعيه والمتلفزة وبرامج الاطفال التي كنا ننتظرها بشوق ونحن في مقتبل حياتنا كبرنامج ابله فضيله ونادي السيما والكاميرا ونافذة علي العالم، عالم البحار وعالم الحيوان، وفن البالية والعالم يغني، والفن الشعبي، وبرنامج أوسكار وخمسة سياحة، واخترنا لك وغيرها وغيرها من البرامج التعليميه والثقافيه والمسليه، وكذلك بغياب نمط من المسلسلات التليفزيونية التي كانت تُعلي من القيم الإنسانيه كضمير أبله حكمت، والرايه البيضا، ويمكن أن نتذكر العديد من هذه البرامج والمسلسلات، وعندما أصبحت أفلام الشباك وحفلاتنا الغنائيه في معظمها "سبكيه".
وتزامن مع هذا كله فساد الفضاء العام المصري ليصبح فضاءً يعلو فيه صوت البلطجه والعداوات المعلنه الشرسه وما يتضمن ذلك من إساءات علنيه للبشر، سواء ذلك الفضاء عبر الشاشات والتسجيلات والسيداهات وخلافه، ويستمر ذلك فترات من الزمان دون رادع وأحكام ناجزه الي أن وصلت أخيرا،
وفي إطار هذا كله ومنذ السبعينيات سيطرت علي العقول والأذهان الغزوه السلفيه والتي أصبحت عابره لكل الأديان والمذاهب والأمور الإجتماعيه والسياسيه والاقتصاديه وغيرها وبكل ما فيها من التدين الشكلي والإهتمام بالفرائض والطقوس وفي غياب لفضائل السلوكيات والمعاملات والقيم والعلاقات الإنسانية، وفرضت الغزوه الفكر الماضوي لإسترجاع كل ما هو من الماضي السحيق في المأكل والمأكل والتحيه والحياه بجوانبها المختلفه، وما هو غير ذلك ليس من الدين في نظرهم، وكما فرضت الغزوه فكراً ونظرهً ذكوريه للحياه فأصبح ذلك هو السائد والغالب في المجتمع،
فما نختبره ونعانيه ونتألم منه الآن من جرائم وأفعال لاإنسانية ولاأخلاقية هو نتاج طبيعي لكل هذه العوامل مجتمعه معا.
فهل نستيقظ وندعو لنهضه ثقافيه شامله تشمل كل عناصر الثقافه في التعليم التربوي، وفي الفنون والآداب وبكل عناصرها وفتح المجال للإبداع فيها، وفي الإعلام بكل ادواته، وبالتجديد في الفكر الديني وبالتركيز علي القيم الإنسانيه والروحيه والجماليه، وبالانفتاح علي قيم الحداثه والتطور، وبإعمال للعقل وللفكر النقدي العلمي وذلك نحو غسيل وتنقيه وتجديد الثقافه التي إنحدرت وتلوثت عبر عقود من الزمان.