هاني لبيب
«خلال مراسم تنصيب جو بايدن.. لفت أنظارنا وجود قس يصلى ويبارك. على العلمانيين العرب أن يتفهموا أن انتزاع الدين من الواقع هو شىء لن يمكن، لأن الدين مغروس فى النفوس، حتى فى كبرى الدول العلمانية كان للدين حضور...».
الكلمات السابقة هى تعليق عبدالله رشدى على مراسم تنصيب الرئيس الأمريكى، وقد اختزل تفاصيلها وتشابكاتها فى وجود قس، وهو ما يؤكد أن هناك حالة التباس فكرى حول الدولة العلمانية، فبينما تسمح طبعًا بحضور الدين ولا تتعارض معه، يراها أمثال عبدالله رشدى دولة فسق وضلال.
لقد تم ترسيخ صورة سلبية ضد مصطلحات حديثة، كالدولة المدنية، وأيضًا العلمانية التى تأتى فى مقدمة الكلمات سيئة السمعة فى مفردات قاموس الحياة السياسية المصرية، لكن العِلمانى- بكسر العين- فى حقيقة الأمر تعنى Secular، أى المؤمن بفصل الدين عن شتى مناحى الحياة، وهو ما يجعلها كلمة ليست سيئة السمعة، أو ضد الدين.
مراسم تنصيب الرئيس الأمريكى تخضع لقواعد وبروتوكولات تاريخية، شأنه شأن تنصيب إمبراطور اليابان أو ملكة إنجلترا، وهى جميعها ترتبط بثقافة الشعوب وفلكلورها التاريخى، وبغض النظر عن وجود ملامح دينية أم لا، فإن الدين خارج نطاق المعاملات اليومية، فلا يجرؤ أحد على ممارسة أى تمييز أو تصنيف أو ازدراء ضد أى إنسان بسبب الدين، فهذا أمر مُجرَّم قانونًا، ولكل مَن يقع عليه أى تأثير بسبب انتمائه الدينى الحق فى تقديم شكوى قانونية، فهذا لا غبار عليه، ومحل اعتبار حقوقى وإنسانى.
العلمانية فى الغرب غير مذهبية، ولا تنحاز إلى أحد الأديان «على اعتبار أنها ليست نقيض الدين، ولكنها نقيض الدولة الدينية»، والعلمانية هنا تخضع للمعايير التى يخضع لها الإنسان فى تعامله لتنظيم شؤون حياته السياسية والاقتصادية والقانونية، وهى معايير مستمدة من الدنيا لا من الدين.
أؤكد ما كتبته كثيرًا، أن الثوابت الدينية، قطعًا، ليست محل نقاش، وإذا طُرحت فهى من صميم اختصاص رجال الدين وعلمائه، أما حدود المسموح به فى النقاش فهو أسلوب البعض فى المعاملات اليومية الإنسانية، التى تتخذ الدين لتبرير تصرفات تحقق مصالح محددة لا علاقة لها بقيم الدين ومبادئه، بل ضد صحيحه.
فى تقديرى أن الدولة المدنية هى دولة علمانية وديمقراطية، علمانية فى مواجهة الدولة الدينية، وديمقراطية فى مواجهة الدولة الشمولية غير الدينية. وتتمثل سمات هذه الدولة وملامحها فى عدد من الثوابت، منها: سيادة القانون على جميع المواطنين دون أى تمييز، ووجود عدالة ناجزة ونافذة، وتعدد السلطات وتنوعها فى سبيل تحقيق العدالة والمساواة، وإقامة انتخابات حرة نزيهة تعبر عن رغبات مجتمعية، ووجود واقعى وحقيقى لتوازن القوى السياسية فى المجتمع.
أعتقد أنه قد أصبح من المرفوض أن يمارس أحدهم الوصاية الفكرية أو الدينية على المجتمع دون وجه حق، كما أصبح من غير المقبول ادّعاء فضيلة قيمة الحوار، وقبول اختلاف الآراء، رغم أننا على النقيض تمامًا. والمرفوض تمامًا هو بناء نتائج مرتكزة على مقدمات باطلة، ووهمية من اختراع أصحابها لنشر أفكار فاسدة وغير حقيقية.
نقطة ومن أول السطر..
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا وبنا.
نقلا عن المصرى اليوم