الانبا موسى
- لاشك أن شباب هذه الثورة كان يختزن فى أعماقه مخزونًا حضاريًا ضخمًا، يرجع إلى أيام الفراعنة (رمسيس وتحتمس وأحمس.. )، كما كان يختزن حبًا جبارًا لوطنه الرائع مصر، بمخزونها الحضارى: الفرعونى والقبطى والإسلامى والمعاصر...
- والمتأمل فى هذا التاريخ المجيد، يجد فى الإنسان المصرى- عمومًا- ارتفاعًا شاهقًا مع فراعنة أمجاد، لهم إنجازاتهم العلمية والحضارية والإنسانية، كما كانت لبعضهم سلبياتهم فى الاستبداد والسيطرة. وكلمة فرعون «بار- أون» أى أن «ابن» الإله «أون»، أحد آلهة الفراعنة فى فجر التاريخ، قبل ظهور أديان التوحيد: اليهودية والقبطية والإسلامية.
ولهذا يتسم الشباب المصرى، بروح الثورة – حتى إذا كانت مكتومة أو مقهورة مؤقتًا، وهى «إرادة التغيير»: تغيير الواقع المرفوض إلى مستقبل مرتقب.
- لهذا ثار المصريون – وبخاصة الشباب – ضد الواقع الذى كان سائدًا وقتها، ومن ملامحه:
1- الفســـــــاد: كان مستشريًا أيام الإقطاع، حيث أثرت مجموعة من المنتفعين، بسبب نهبها لثروات هذا الوطن، فنهبوا أراضى مصر، وثرواتها، وتم التزاوج بين رأس المال والسلطة، مما شحن صدور الشباب بالغضب عن هذا الواقع المؤلم والمنحرف، الذى من علاماته وأمثلته:
أ- الأغنياء يحصلون على أراضى الدولة بأبخس الأثمان.
ب- أموال البنوك: يقترضونها دون ضمان أو سداد.
ج- قرارات العلاج على نفقة الدولة: تمنح للمعارف.
2- الاســـــتبداد:
ومع الفساد يأتى الاستبداد السياسى، الذى كان شعار المرحلة السابقة، ولعقود متعددة، إذ سد الحكام آذانهم، عن كل الآراء والمظالم، وكان لا يتحاورون مع أحد، ولا يستمعون إلى الرأى المخالف، أو حتى إلى الإنذارات القادمة من صفحات الجرائد أو الفيس بوك.
لم تكن هناك حرية إقامة أحزاب، وكان هناك إهمال للقوى المعارضة، وهكذا ضيقوا على أحزاب المعارضة وحجموها، بهدف إضعافها، وكان هناك تزوير واضح فى الانتخابات، وقهر لأى نشاط سياسى، كما توغل بعض الأعضاء الفاسدين فى أنحاء مصر، وقطاعات الدولة، وأجهزتها الفعالة، لكى تنحرف القرارات فى اتجاه الأقلية المسيطرة!!
3- السياسات الأمنية الخاطئة:
كان الكل يلاحظ أن مصر صارت «دولة بوليسية»، فكل شىء صار فى يد بعض القيادات!! وصار كل السياسيين وقادة المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية، فى إحباط كبير، بلا قدرة على التأثير، أو أخذ زمام المبادرة. كانت كل المشكلات الطائفية والسياسية والاجتماعية، تسلم إلى يد بعض القيادات، فتفاقمت المشكلات، وتصاعد التعذيب فى بعض المعتقلات، كما حدث سوء استخدام لحالة الطوارئ، فلم تعد هذه الحالة فى مصلحة المواطنين، بل فى يد بعض المنحرفين، يستغلونها كما يشاؤون. فجاء «تسونامى» شباب مصر، ليكتسح هذا الاستبداد، والرموز المستبدة ولكى يجبر الأحزاب، على تطهير صفوفها، وتجديد نفسها، بقيادات شريفة وجديدة، وهذا كله لا يلغى أن هناك غالبية من الشرفاء، كانوا بعيدين عن الفساد، والاستبداد السياسى.
ولكن الشباب تبادلوا الحوار فى العالم الافتراضى على الإنترنت، الفيس بوك وغيره. ولكن النظام وقتها - للأسف - لم يقرأ هذه الثورة المتصاعدة فى قلوب الشباب، وتصور أنه قادر على قمع هذا الاتجاه الثائر بالأسلوب الأمنى. فخرج الشعب لا يفكر فى شىء سوى مصر، والمستقبل. لقد نسى كل منهم أية أغراض شخصية أو طائفية.. فاجتمع المسلمون مع المسيحيين، والشباب مع الكبار، رجالاً ونساءً، والموظفون مع العمال والفلاحين، وطالبوا بالتغيير الحقيقى والجذرى، من أجل مصر أفضل، ومستقبل أفضل، وها هى السياسات تغيرت، وتتغير نحو مستقبل مشرق لأجيالنا الصاعدة.
ثانيًا: مخزون الحضارة:
ويبدو هذا المخزون الحضارى واضحًا فى قلوب المصريين فى أمور كثيرة مثل:
1- الارتفاع من الشخصى إلى الموضوعى، ومن الطائفى إلى الوطنى، ومن الفئوى إلى عموم الشعب.
2- التظاهر السلمى، وقد قدم الشعب المصرى الكثير من الشهداء والمصابين فى هذه الثورة السلمية، التى لم تعتد على المواطنين وممتلكاتهم وأنشطتهم..
3- اللجان الشعبية، التى قامت بحراسة البيوت والأفراد، ورأينا إخوتنا المسلمين يحرسون الكنائس، والمسيحيين يتعاونون مع المسلمين فى حفظ الأمن العام.
4- وطنية الجيش المصرى، الذى تعامل مع الشباب والشعب بأسلوب حضارى رائع، وصبر عجيب، وحميمية بالغة.. فكان الشباب يعانقون الجنود فى حب، وكانوا يعتلون ظهور الدبابات بفرح.
5- روح الحوار، إذ كان هناك حوار وطنى شامل، فى قاعات الدولة، ومقرات الأحزاب، وميدان التحرير، وميادين المحافظات، وعلى شاشات التليفزيون، طوال اليوم، وكل يوم، لا يفكرون فى شىء إلا فى مصر، مصر المستقبل.
6- المطالب الشرعية: فلم يطلب الشباب سوى:
أ- الحرية السياسية والديمقراطية الكاملة، وصولاً إلى الدولة المدنية الحديثة، والجمهورية البرلمانية الحقيقية، وذلك يتطلب تعديلات دستورية كثيرة، سواء فى حرية تكوين الأحزاب، أو الانتخابات النزيهة.
ب- التنمية الاقتصادية والإصلاح الاقتصادى، من خلال مكافحة ومحاربة البطالة والفساد، وإيجاد فرص عمل للشباب، تتناسب مع طموحاتهم المشروعة، من أجل حياة كريمة... وها هو الرئيس السيسى يعتمد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعام 2020-20021.
ج- العدالة الاجتماعية، وتذويب الفوارق بين الطبقات، وهى حقوق مشروعة ومعقولة، فهناك فرق شاسع بين طبقات ثرية للغاية، وملايين يسكنون العشوائيات. وها نحن نرى الرئيس السيسى لم يغب ملف العدالة الاجتماعية عن ذهنه، وكان أول خطوة فى طريق العدالة الاجتماعية هو تطوير العشوائيات، وتوفير حياة كريمة لسكان تلك المناطق الذين دفع الكثير منهم حياته ثمنا لمعيشته فى منطقة عشوائية، وها نحن نرى الدولة توفر مساكن لمحدودى الدخل، كل هذا هو بمثابة سور يقى الشعب مشاكل الصراع الاجتماعى.
- شاع القول: مصر قد ولدت من جديد، فهنيئًا لمصر بثورتها المجيدة، وشبابها النقى، مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، متعلمين وبسطاء، فأسرة مصر كلها أجمعت على أمر واحد: مصر جديدة، ديمقراطية، وقادرة.
- هنيئًا لمصر بهذه الصحوة المباركة، راجين لها النجاح فى الوصول إلى أهدافها النبيلة.
- وإلى الأمام دائمًا يا مصرنا الحبيبة... تاركين الماضى وراءنا، إلا من دروسه المستفادة، وناظرين إلى المستقبل المشرق لأجيالنا الصاعدة، بنعمة الله، ضمانًا لحياة سعيدة ومثمرة.
نقلا عن المصرى اليوم