الكاتب
جديد الموقع
الأكثر قراءة
عدم دستورية المادة الثانية
بقلم: نسيم عبيد عوض
لقد إنتظرت قليلا حتى تأكدت مما تسرب من اللجنة التأسيسية المشكلة لوضع مسودة دستور مصر الدائم ‘ بخصوص ما إستقر عليه للمادة الثانية بالدستور ‘ونصها ((الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع‘وتعود مرجعية تفسير المبادئ للأزهر الشريف ‘وللمسيحيين واليهود الحق فى الرجوع لشرائعهم فى الإحوال الشخصية وتعيين قيادتهم)) ‘ وسامحونى مقدما إذا كان النص غير دقيق حسب ما صوتت عليه اللجنة فى صورته النهائية ‘ ولكن الذى تأكدت منه هو النص على مرجعية تفسيرالمبادئ للأزهر الشريف ‘ وقد أستقبلت الكنائس المسيحية والأقباط عموما نص المادة بالترحاب والتهليل ‘ حتى خرجت خطابات الشكر للشيخ الطيب وللأزهر.
وأنا شخصيا معهم فى هذا الشكر والتهليل ‘ لأنه لو لم يتصدى علماء الأزهر لفوضى التفسيرات لما خرجت هذه المادة أصلا للحياة ‘ بل ونحن جميعا الذين نعيش على أرض مصر نتمتع بوجود خطوط إتصال وثقة متبادلة بين الكنيسة والأزهر ‘ وهذا الصرح الشامخ هو حامى مصر من كل الإرهاصات والفتاوى وتفتيت الأمة ‘ فلا عجب أننا دائما نرحب بمرجعية الأزهر الشريف فى التفسيرات المغرضة لكل مايتعلق بالآيات القرآنية أو السنة أو مراجع التشريع الأخرى ‘فهو الحائط الصلب أمام كل الإدعاءات وفتاوى غير المتخصصين والذين يستخدمون الدين كمرجعية لتطرفهم وفتنهم ‘ ومع كل إحترامى الكامل للذين صوتوا على هذه المادة فهى معيبة شكلا وموضوعا بسبب نص مرجعية تفسير كلمة المبادئ للأزهر الشريف ‘ وقبل أن أفسر لماذا يعيب هذا النص أعرض عليكم تاريخ تطور هذه المادة على مر تاريخنا المعاصر.
فى أول دستور للأمة المصرية عام 1882 لم ينص على مايمت بصلة للمادة الثانية كما نعرفها ‘ فقد كان دستورا خاصا للخديوى والتشكيل النيابى ‘ولكنه الحقيقة نص على مقدمة غاية فى الدقة حول مبدأ سيادة الأمة ونص على (( بموجب هذا الدستور فان السلطة تستمد من الأمة ويكون الحكم بإسمها والأمر يصدر تعبيرا عنها كلها ‘ ارتكازا على أن أمة قديمة مثل مصر لا تتكون من شعب اليوم أو المواطنين الذين يعيشون الآن بل تشمل إلى جانب ذلك أجيال الأمس وأجيال الغد‘ ولذلك فإن جيل اليوم الحاضر عندما يتخذ قرارات سياسية معينة فانه إنما يمثل فى ذلك تقاليد وثقافة وقيم المجتمع فى الماضى والحاضر والمستقبل. ويتوافق هذا الدستور فى هذا المنحى نحو سيادة الأمة مع إعلان حقوق الإنسان والمواطن التى أعلنتها الثورة الفرنسية فى سنة 1789م‘فقد نص هذا الإعلان فى مادته الثالثة على أن : مبدأ السيادة كلها يكمن أساسا فى الأمة ولا تستطيع أى هيئة أو فرد أن يمارس سلطة لا تكون الأمة مصدرها الصريح )) ويكفينا من هذا الدستور مبدأ الأمة مصدر السلطات ‘ وهو ماأخذت به كل الدساتير.
فى دستور 1923 جائت المادة 149 بالنص التالى((الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية))
وقبلها فى المادة 13 نصت على (( تحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقا للعادات المرعية فى الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام والآداب)).
وفى دستور 1954 الذى قدمة السنهورى وأخفته قيادة الثورة فجاءت هذه المادة تحت الأحكام العامة : مادة رقم 195(( الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية)) وظلت مصر يحكمها دستور 1923 حتى جاء الرئيس السادات وخرج دستور 1971 بالنص وبعد تعديله ( الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع )).
ولو جاءت المادة الثانية بهذا النص وأضافت عليه رجوع المسيحيين واليهود لشريعتهم فى أمور الأحوال الشخصية وقيادتهم ‘ لكانت مادة دستورية لاعيب فيها ‘ ولكن إضافت مرجعية التفسير للأزهر هو الذى يعيبها شكلا وموضوعا وإعتقد أنه لن يصدق عليه ‘ أولا لمخالفة ذلك لنصوص الدساتير بمرجعية تفسير أى مادة يختلف عليها لجهات القضاء وليس لأى جهة مدنية أو دينية ‘لسبب بسيط أن الأزهر يقودة شخص وموظف عام قابل للعزل ‘ يتغير من حين لآخر ويعينة رئيس الدولة ‘ وثانيا لا يخضع نص دستورى لجهة أو لشخص ما للتفسير وهذا مانصت عليه كل دساتير العالم ومن ضمنها دستور 1971 ‘ ففى المادة 175 نص على (( المحكمة الدستورية العليا هى التى تتولى دون غيرها الرقابة على دستور القوانين واللوائح ‘وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين فى القانون .
وفى نص إنشاء المحكمة الدستورية العليا حدد المشرع أنها أعلى سلطة قضائية ‘وهى صاحبة القول الفصل بتوافق أى قرار أو مرسوم أو قانون أو حكم قضائى مع الدستور الذى هو التشريع الأعلى فى البلاد ولا يجوزمخالفته ‘ وبمعنى أنه لوصدر حكم محكمة حول أسلمة شخص وعودته للكنيسة وحكمت بتسليمها هذا الشخص ‘ أو ماشابه ذلك من هذه الحوادث المتكررة فى المجتمع المصرى ‘‘ورأت جهة ما أن هذا الحكم يخالف مبادئ الإسلام ‘وتقدمت بالطعن فى الحكم ‘ فلمن تكون المرجعية والفصل فى الخلاف ‘ لو قلنا الأزهر لعدنا الى نظام المحاكم المختلطة أيام الإستعمار‘ ولكن المفسر الوحيد هو القضاء سواء المحكمة الإدارية ‘النقض أو المحكمة الدستورية العليا وهى الوحيدة المصدر فى التفسير لأى نص فى القانون حتى لوكان يتعلق بالشريعة الإسلامية ومبادئها ‘ وفى تاريخنا الطويل أحكام صدرت من محاكم مصر المختلفة للحكم فى مثيل هذا الخلاف ‘ ولكنه لم يحدث تاريخيا أو دستوريا بتعليق تفسير مادة فى الدستور لأى جهة غير المحكمة المختصة ‘ وهذا ماأتبعة المشرع المصرى طوال تاريخنا الطويل ‘ رجاء العودة بكل هدوء وإلغاء مرجعية التفسير هذه ‘ودعونا نخط دستورا راقيا ينظم لدولة مدنية ديمقراطية حرة وحديثة ‘دستور يحترمه الجميع بدون أى ثغرات ولا نضع فيه أية كلمات غريبة تعوق الحكم والعدالة .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :