مراد وهبة
شعار واحد رحنا نردده منذ ثورة 1919 مع تنويعات فى الكلمات المعبرة عنه لأكثر من قرن. إنه شعار الوحدة الوطنية فنقول مرة «وحدة عنصرى الأمة»، ومرة أخرى «يحيا الهلال مع الصليب»، ومرة ثالثة «الدين لله والوطن للجميع». وفى هذا السياق كنا نزهو بأن سكرتير عام حزب الوفد بزعامة مصطفى النحاس هو مكرم عبيد والذى كان يتولى وزارة المالية. إلا أن كل ذلك قد اهتز عندما أصدرت الهيئة الوفدية قرارها بفصل مكرم عبيد من عضويتها فى 6 يوليو من عام 1942. وفى 31 مارس من عام 1943 أصدر «الكتاب الأسود» الذى جاء فيه أن جرثومة الفساد قد سرت فى جسم الأمة السياسى وأصبح المجتمع سوقًا تباع فيها الذمم ويثرى فيها من يريد الإثراء على حساب الدولة، وكل ذلك فى سياق التشهير بفضائح النحاس وأصهاره من آل الوكيل. والمفارقة بعد ذلك أن حزب الوفد تحالف مع الإخوان المسلمين فى الانتخابات البرلمانية فى عام 1984. وإذا قيل بعد ذلك أن هذا التحالف ينطوى على مفارقة، وإذا كانت المفارقة تنطوى على تناقض فهل معنى ذلك أن الوفد كان فى نشأته علمانيًا ثم أصبح أصوليًا بحكم ذلك التحالف؟.
ليس من الميسور الجواب عن هذا السؤال، ومع ذلك فإثارته مطلوبة من أجل الكشف عن السبب الذى أدى إلى بداية الصدام بين الرئيس السادات والبابا شنودة مع بداية السبعينيات من القرن العشرين، حيث تحول البابا شنودة إلى زعيم قبطى فى مواجهة رئيس دولة يقول عن نفسه إنه رئيس مؤمن يحكم دولة بها أغلبية مسلمة تعيش معها أقلية مسيحية. وبعد ذلك بدأت الفتنة الطائفية. ومع ذلك لم يفكر أحد فى تغيير الكلمات التقليدية المعبرة عن شعار الوحدة الوطنية، بل لم يفكر أحد فى هذا التغيير منذ بزوغ ظاهرة الكوكبية مع بداية القرن الحادى والعشرين والتى يلزم منها الاعتماد المتبادل الذى ينسف الانغلاق الذى تنطوى عليه النزعة الطائفية وما يماثلها من نزعات أخرى، مثل الأصوليات الدينية، لأن الطائفية أيا كانت سمتها هى منغلقة بحكم طبيعتها. ولا أدل على صحة هذه السمة مما يحدث الآن فى لبنان من أزمة تهدد كيان الدولة ذاتها.
أقول كل ذلك بمناسبة العبارة التى قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو يهنئ قداسة البابا تواضروس الثانى بعيد الميلاد المجيد فى يناير من هذا العام: «إنه لا تمييز بين المصريين على أساس الهوية الدينية». وهى عبارة من شأنها أن تفضى إلى إعلان دستور جديد تُحذف منه كل المواد والبنود التى تشى بهذه الهوية الدينية وفى مقدمتها المادة الثانية من الدستور القائم، والتى تنص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الأساسية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. ومن هنا يكون من مهام البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ فتح حوار حول هوية ذلك الدستور الجديد، وهى هوية أراها بحكم الضرورة وليس بحكم الاختيار أنها هوية علمانية، أى هوية تلتزم بالتفكير بالنسبى دون التفكير بالمطلق فى مواجهة هوية أصولية تلتزم بالتفكير بالمطلق دون التفكير بالنسبى.
نقلا عن المصرى اليوم