عادل نعمان
ثارت دور الإفتاء والمؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية وغير الرسمية ومعهم السلفيون وولاة أمور الدين وأصحاب النهى والإجازة، على ما سمى بالخطأ، وفهمه القوم على غير مراده «بزواج التجربة» (ولقد طلبت من صاحب الاقتراح على الهواء فى مداخلة تليفزيونية تغيير عنوان هذا المقترح، معللًا له أن الناس ستفهم الجواب من عنوانه، دون استيعاب المحتوى) والناس فى بلادى لا يقرأون، وإن قرأوا لا يستوعبون، وإن استوعبوا لا يوافقون، فهذا مجتمع سلفى الهوى، يسير خلف منهج عمومية اللفظ وليس على منهج خصوصية السبب، ويتمسكون بالظاهر من القول وليس ببواطنه والقصد منه، فظنوا أنها تجربة لزواج المتعة بين امرأة ورجل، «فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا» على رأى الصحابى ابن الأكوع، وليس الأمر كذلك، ولا يعيب صاحبنا أنهم فهموه على غير مراده ولم يستوعبوا مقصده، والمقترح ببساطة هو أقرب إلى «تجربة للطلاق» منه إلى «تجربة للزواج» وليس بزواج المتعة، ولسنا هنا بصدد دراسته ومحاولة عودته، أو حبًّا فيه.
الرجل وهو محام فى تجربة شخصية له مع زوجة قصدت مكتبه تطلب الطلاق من زوجها، هداه تفكيره لأن يطلب الزوج للتفاهم معه، ورأب الصدع بينهما، وترميم العلاقة بين الطرفين، وأن يصلح بينهما ما أفسدته الأيام وضيق الحال قدر المستطاع، ويتجاوزانه بالمعروف حماية للأسرة وحفاظًا على الأولاد، وقررا بموافقتهما تسجيل التزامات كل طرف فى وثيقة تكون ملزمة لمن يخرج عن حدود الاتفاق، وأن تستمر الحياة وفقًا لهذه الالتزامات، قل عنها وثيقة طلاق مؤجلة إذا كان هذا قدرهما ومصيرهما، فربما يكون هذا الالتزام المكتوب قد حدد للطرفين خطوطًا مفقودة بينهما تستمر معها الحياة وتعود المياه إلى مجاريها، أو قل أيضا عنها إنها آخر مراحل العلاج بالكى، وربما تؤتى ثمارها حصرمًا فى البداية إلى أن تستوى على عودها وتنضج بالصبر والرعاية، والتجربة فى مجملها تأجيل الطلاق إلى وقت يظل الحصرم حصرمًا ويجف العود وتذبل الثمرة، ويكون تنفيذ الالتزامات والتعهدات المكتوبة أسهل وأيسر على الجميع، إن وقفت مجريات الحياة عند مفترق طريق واحد، وأصبح الفراق والوداع أمرًا مقضيًّا، فيكون الفراق رقيقًا رفيقًا بعض الشىء غير ما تفرضه غالبًا أروقة المحاكم ومماطلات الأطراف عند التقاضى، وقد وجد المحامى فى هذه التجربة نجاحًا واستجابة كانت دافعًا لتكرارها مع كل من قصد مكتبه طلبًا للطلاق من النساء، فلماذا لا يعممها وتعم الفائدة على الجميع؟ هكذا كان القصد والحكمة.
ولا يقف الأمر عندى إلى هذا الحد، فربما قد تجاوزنا سقف هذه المطالب بمراحل، وهذا هو عهدنا مع القائمين على أمور الدين يماطلون فى الاستجابة للقليل حتى يتراكم الدين ويضعف ويهين المطلوب، ولم يعد يكفينى شخصيًّا المطالبة بإثبات الطلاق وتوثيقه (ولا يعتد بالطلاق إلا إذا كان موثقًا، وكل طلاق غير موثق لا يقع)، حفاظًا على الأسرة والمجتمع «ويؤيد هذا الرأى المذهب الجعفرى، والإمام الطوسى، والإمام السيوطى، والشيخ الألبانى، والشيخ أبو زهرة» وهذا ما قاله الشيخ الألبانى على رؤوس الأشهاد (النكاح «الزواج» بالنسبة للأسرة كالبناء، والطلاق بالنسبة للأسرة كالهدم، فمن غير المعقول أن نشهد شهودا على البناء ولا نشهدهم فى الهدم»، ومما قاله الشيخ الطوسى أيضا «كل طلاق لم يحضره شاهدان عدلان وإن تكاملت سائر الشروط لا يقع»، وفى هذا المجال آراء وأفكار كثيرة تجب رأى مشايخ الطلاق الشفوى، إلا أنهم لا يأخذون لنا من الراحة قسطًا قليلًا منها، بل يستكثرونها علينا.
وأنا شخصيا أضم صوتى إلى الذين ينادون بعقد مدنى يلازم وثيقة الزواج، ولا يكون هو الأصل فى الزواج، وليس شرطًا من شروطه، ولا يعتد به إلا فى حال إتمام الزواج فقط، وهو اختيارى لمن يقبله عقدًا متممًا يمكن الرجوع إليه عند الضرورة، وموثق لدى المأذون فقط، ويتفق على بنوده قبل إتمام عقد ووثيقة الزواج الرسمية، أما ما يشمله ويحتوى عليه فهو حق واتفاق وقبول فيما يرتضيه الطرفان، واتفاق بينهما وعهد متمم للميثاق الغليظ، خصوصا أن الكثير من الزيجات «عقد الزواج» الآن تتم دون معارف وروابط وصلات سابقة، وتسبق أحيانا إتمام مفردات وطلبات الزواج من شقة وصداق ومنقولات وغيره فى الكثير أو القليل أو فى بعضه، وقد كان للمعارف والترابط والصلات فيما سبق عهد يفوق العهود المكتوبة، وكلمة تسبق أى التزام موثق، ويزيد درجة عن كل الالتزامات والعقود الرسمية، وقد فقدناه حديثًا، ناهيك عن الخلل الذى أصاب المجتمع فى مقتل حين اتجه برأسه وقدميه إلى الغش والتدليس والفساد، مما يستوجب معه وضع حد لهؤلاء الذين يتلاعبون بالقانون وأعراض الناس، آلاف القضايا أمام المحاكم لإثبات واقعة الطلاق وغيرها لإثبات النسب، وتبديد المنقولات، والنفقة، وحضانة الأولاد، وبيت الحاضنة، والرؤية وغيرها الكثير، وأتصور أن بهذا العقد الذى يلزم الجميع بكل ما جاء وسبق ذكره وغيره، سوف نرفع عن كاهل المجتمع والقضاء عبئًا ليس بالقليل. (الدولة المدنية هى الحل).
نقلا عن المصري اليوم