سحر الجعارة
لماذا يغتصب الرجال؟ لا يجوز أن نُبرّر الاغتصاب بأنه «مرض نفسى»، حتى لو ارتبط بـ«السادية».. لأنه نتيجة تنشئة اجتماعية تغرس فى الذكر «دونية المرأة»، وفى بعض المجتمعات تربيه على احتقارها واعتبار الاعتداء عليها نوعاً من «البطولة» المرتبطة بالقطع بترك بصماته الوحشية على جسدها!لهذا يتصور الذكر أن المرأة التى ترفض علاقة جنسية وتقول «لا»، تعنى فى الحقيقة «نعم»، ورفضها ما هو إلا تلاعب وتحدٍ لتجعله يرغبها أكثر.. وأن هذا «الرفض المقنّع» يخلق بداخله تحدياً وإثارة مرضية.. إنها تتحدى نرجسيته وقدرته على «امتلاك» ما يشاء، ولهذا ستجد أن سلوكه الجنسى مرتبط بالعنف.
«العنف الجنسى» بدأ يتخذ ملامح الظاهرة مع نمو تجارة الأفلام الإباحية، التى تدر المليارات على أصحابها، والتى من باب الإثارة وكسر النمط المألوف خلقت مفاهيم «الهيمنة والاستعباد»، وحفلات الجنس الجماعى، فلم يعد مستغرباً أن تجد «أدوات التعذيب» تُباع على الإنترنت ومواقع السوشيال ميديا.. بل وبعض الأزواج يسعون لاقتنائها، بحثاً عن لذة مفقودة داخل العلاقة الزوجية!لكن يظل دائماً «المغتصب» فى قفص الاتهام، تدور حوله الدراسات النفسية والاجتماعية، لكنها جميعاً لم تفسر لنا -حتى الآن- لماذا يفضل مجموعة رجال لهم مراكز اجتماعية مرموقة ولديهم ثروات هائلة (أحدهم حرر عقد زواج عرفى، وأعطى الضحية مبلغ 2 مليون جنيه للعدول عن أقوالها فى التحقيقات)، لماذا يفضل «الجنس فى المشرحة»؟!فقبل أن يفيق المجتمع من قضية «فيرمونت» الشهيرة، كانت «فتاة مارينا» تهرب بجلدها الممزّق، تستغيث بالجيران، حتى قابلتها ربة منزل وقامت بمساعدتها فى الاختباء من الجناة والاتصال بالإسعاف التى حضرت ونقلتها إلى المستشفى، وكشف تقرير الطب الشرعى تعرض المجنى عليها لعنف جنسى جنائى.
إنه «القهر» والإذلال.. جبروت السلطة والثروة التى تمكنت من عقول هؤلاء الذكور فقرّروا أن ينتزعوا شرفها «عنوة»، «علاقة التراضى» لا تُشبع الوحش الكامن بين ضلوعهم، لا تُرضى غرورهم.. مثل الهمج عادوا إلى عصر الكهف واحتالوا على «الفريسة» حتى سقطت فى الفخ مثل «غزالة» رقيقة هشّة تحطمت ضلوعها على إيقاع السقوط المدوى لرجل «مكلف بتحقيق العدالة»، وألقاب رنانة وملابس أنيقة تُخفى خلفها نفوساً هشة وخيالاً كسيحاً وضميراً ميتاً وعقلاً مريضاً لا يعرف إلا «اللذة السادية».. وعلى «صاحبة العفة» أن تركع لتلك الحيوانات الشرسة!إن مشاعر الغضب والخوف وكراهية الذات والعار التى تشعر بها النساء المغتصبات هى أسوأ المشاعر التى يمكن أن يشعر بها البشر.. وليس لدينا -للأسف- مراكز لإعادة تأهيل ضحايا «التحرّش والاغتصاب»، وهو ما أود أن أطرحه على الدكتورة «مايا مرسى»، رئيسة المجلس القومى للمرأة.هذه الفتاة وغيرها من ضحايا العنف الجنسى بحاجة إلى مساعدة متخصّصة على المستوى النفسى والاجتماعى، حتى لا يتحول عالمهن إلى «زنزانة» من الصمت، خوفاً من كتائب الإدانة الجاهزة لاغتيالهن بالنميمة وجلد الضحية بدلاً من مواجهة المجرمين.
نحن بحاجة إلى إصدار قانون موحّد لـ«مناهضة العنف ضد النساء».. يحدّد التعريفات للأشكال المختلفة من العنف ضد المرأة، بما فيها مفهوم الاغتصاب للجنسين من البالغين أو القصر، أو زنا المحارم، أو الاغتصاب الزوجى.بحاجة إلى نسف ترسانة الفتاوى الآثمة التى تضع «الضحية» فى قفص الاتهام، وحمايتها من «العمائم» الجاهزة لنهش شرفها وانتهاك كرامتها وجلدها بالنميمة.. بزعم أنها مجرد «جارية عصرية» أو «فتاة ليل»، سمِّها ما شئت.. المهم أن تنطبق عليها فتاوى سبى النساء وملك اليمين.. فملابسها مثيرة ومفاتنها بارزة، وذنبها أنها جميلة!ونحن أمام شلة ذكور تثبت فحولتها المزعومة بـ«القوة».. وتحت غطاء فتاوى تكرس طغيان الشهوة المنفلتة.. هذه الفتاوى هى التى تنصب شباك السادية الجنسية: من أفتى أطلق مخزون الهوس الجنسى المكبوت فى عقله الباطن كمن هيَّأ الفراش -تماماً- لمن التهم روح الضحية وجسدها!نريد مجتمعاً حاضناً للنساء، يعرف معنى كلمة «سيدة»، مجتمعاً تحكمه معايير المساواة التى نص عليها الدستور.. فكيف نحول هذه «المادة الخامة» إلى ثقافة عامة؟لقد نجحت المحامية فى مجال حقوق الإنسان ميجيل أجستين برو خواريز، بالتعاون مع مركز حقوق الإنسان فى المكسيك، فى رفع قضية 11 امرأة من ضحايا العنف الجنسى والعنف القائم على النوع الاجتماعى، مارستهما سلطات إنفاذ القانون، إلى محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان.. والنساء الـ11 من بين الناجين من حملة قمع نفّذتها الشرطة ضدّ مظاهرة احتجاجيّة نُظِّمَت فى المكسيك فى عام 2006.
وخلال المظاهرة قُبض على 47 امرأة وتعرض الكثير منهنّ لاعتداءات جنسيّة مارستها السلطات أثناء الاحتجاز.وفى عام 2018، حكمت المحكمة بأنّ ما تعرّضت له هؤلاء النساء هو ضرب من ضروب «التعذيب» فأدانت الحكومة لارتكابها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد النساء، بما فى ذلك الاعتقال التعسفى والتعذيب النفسى والجنسى ومنع الوصول إلى العدالة.. هذه هو المفهوم الذى تتبناه الآن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.. وهكذا يجب التعامل مع الاغتصاب.فإذا حاولنا الإجابة عن السؤال الذى بدأنا به: لماذا يغتصب الرجال؟ لماذا يقوم الرجال بهذا الفعل الشنيع القذر؟ ستجد أمامك ملفاً ضخماً: (تنشئة اجتماعية خاطئة، مجتمع كاره ومعادٍ للنساء، ثقافة قائمة على تقديس الرجل وتحقير المرأة، قانون غير رادع، كهنوت دينى يقدم المرأة قرباناً لفحولة العنين).. وهكذا تدور مفرمة التعذيب الجنسى للنساء.. وتستمر بضخ دماء النساء بين تروسها.
نقلا عن الوطن