خالد منتصر
ما النشوز الذى سيعتمد عليه الرجال فى البرلمان لإفشال واغتيال قانون حبس مَن يضرب زوجته؟ وهل ممن الممكن أن يكون الرجل ناشزاً؟
لقد ميّز الفقه الذكورى بين نشوز المرأة ونشوز الرجل، فعلى سبيل المثال: اعتبروا المرأة ناشزاً إذا غادرت بيتها لزيارة أهلها أو جارتها بدون إذن زوجها، أما إذا سافر الزوج وغاب فترة طويلة دون علمها، فلا يعد ذلك نشوزاً وليس لها حق التفريق إلا إذا تجاوز الغياب السنة، وإذا امتنعت الزوجة عن الفراش اُعتبرت ناشزة، أما الرجل فى مذهب أبى حنيفة إذا هجر الفراش وامتنع عن معاشرة زوجته، فلا يعد ذلك نشوزاً وتبرير ذلك، كما يقول الإمام الرازى فى تفسيره «لأن الزوج لا يُجبر على الوطء».
وكذلك لم يعتبر الفقهاء زواج الرجل بامرأة ثانية يحمل أى إساءة نفسية أو نشوزاً، واعتمدوا فى تبريرهم للضرب كوسيلة تأديب على ما جاء فى المأثور عن النبى الذى قال فى خطبة الوداع «واتقوا الله فى النساء، فإنهن عندكن عوان -أى أسيرات– ولكم عليهن ألا يوطئن فراشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن، فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف»، وبالطبع تغافل هؤلاء المؤيدون للضرب أحاديث أخرى كثيرة قالها الرسول تُناقض ما سبق، مثل:
*«لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها فى آخر اليوم»، صحيح البخارى.
*«مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمراً ليتكلم بخير أو ليسكت، واستوصوا بالنساء خيراً»، صحيح مسلم.
*«أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن ولا تقبحوهن»، سنن أبى داود.
*«عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله خادماً له ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئاً»، سنن ابن ماجة.
لكنه التدين البشرى المنحاز للذكر، وكما قلنا مراراً هناك دين وهناك تديّن والفرق بينهما شاسع.
تحدثنا عن النشوز، فماذا عن الضرب وطريقته وأنواعه؟، اختلف الفقهاء فى كمية الضرب وكيفيته، وكأنهم يدربون دوبليرات فى فيلم أكشن، وكأن الضرب فى حالة التأديب من رجل عصبى منحه الفقهاء تفوقاً أبدياً وقوامة سرمدية ممكن التحكم فيه بهذه الدقة التى يتحدثون عنها، وكان أرحم هؤلاء الفقهاء وأكثرهم رقة الإمام الشافعى الذى قال فى مدونة تعليماته «الضرب يكون مفرقاً على بدنها، ولا يوالى به فى موضع واحد، ويتقى الوجه لأنه مجمع المحاسن، وأن يكون دون الأربعين، ولا يفضى إلى الهلاك».
منتهى الرقة والحنان !!، ولم يذكر لنا «الشافعى» ما عقوبة الزوج الذى تفلت يده ببوكس فى الوجه غصباً عنه أو «شلوتاً» فى الرحم غصباً عنه أيضاً، هل نعفو عنه لأنه حدث غصباً عنه والله أدرى بالنوايا؟!، وأوصى فقهاء آخرون بالضرب بمنديل ملفوف بدلاً من الكرباج والعصا.. إلخ، الحل هو ألا نخلط بين ما هو دين وبين ما هو عرف فى الجزيرة العربية، بين الإسلام الذى أنزله الله وبين الفهم القومى لهذا الإسلام، أى طريقة تطبيق المجتمع للدين حسب فهمه وتصوره واحتياجاته، فالدين غالباً يدخل ويعجن فى فرن الفهم والتفسير الخاص للمجتمع الذى يدين به، ونحن غير مُلزمين بفهم وتطبيق هذا المجتمع، لأن ذلك هو نتاج تفاعلهم الخاص مع الدين، فالمجتمع البدوى القديم كان الضرب فيه سلوكاً غير مستهجن، ووضع المرأة كان متدنياً لظروف كثيرة ومختلفة ليس هنا مجال الحديث عنها الآن، ونحن غير مطالبين فى القرن الحادى والعشرين وفى بلد عرف الحضارة والمدنية منذ آلاف السنين أن نتبع ذلك الفهم البدوى بحذافيره ما دمنا لم نخرج على الأطر والمبادئ العامة التى وضعها لنا الإسلام الحنيف.
نقلا عن الوطن