بقلم : مفيد فوزى

هكذا كنا نناديه ونخاطبه: الأستاذ صفوت الشريف، وزير إعلام مصر، وإذا كنت أقول وزير إعلام مصر لأنه تقلد المنصب طويلًا وربما قالها يوما أنا آخر وزير إعلام!. ولست أدرى لماذا قال هذا التصريح، لكنى أجزم بأنه كان يعرف حدود المنصب وأهميته، ويدرك أيضًا دور «أجهزة الإعلام» فى الوعى والتبصير والرؤى المستقبلية.

لا ننسى أن صفوت الشريف جاء من مصلحة الاستعلامات، فهو قد أتقن الاتصال بالعالم، وكان أيضًا متصلًا بكل قطاعات الدولة. وهناك شخصيات فى المجتمع ينالها الأذى بسبب حكايات ربما لم تصدق وقائعها. ونحن مجتمع يجيد الضرب تحت الحزام للناجحين، وصفوت الشريف كان شخصية ناجحة بكل المقاييس. كان وزير إعلام دولة كبيرة كمصر ومن الممكن القول إنه أرسى قواعد الإعلام المصرى. أعطى الثقافة حقها وأعطى الفنون حقها، وأملك أن أقول إن توليفة «صفوت الشريف» الإعلامية نموذجية حين نتدارس المدارس الإعلامية. كانت مدرسته تقوم على إثارة الوعى والتبصير، وكان يعطى موجات التوجيه ثم يترك «الجهاز الفنى» يمارس دوره من مذيع ومخرج ومصور وبقية الطقم المصاحب لهذا الفريق. هو مثلًا صاحب اسم برنامج «حديث المدينة» يوم قال لى الرئيس الأسبق مبارك إنك مؤهل للقيام بدور ما على شاشة التليفزيون، وكان هذا فى حضرة الرئيس وهو- صفوت الشريف- صاحب نظرية «الطقم» الواحد، الذى لا يتغير حتى يكون فريقًا متفاهمًا. ولا بد أن أعترف بأن صفوت بك هو صاحب الاقتراح بإجراء حوار، لعله الأول، مع «مبارك» نعم، فقد كان الرئيس السادات يفضل الجلوس مع السيدة همت مصطفى على شكل «سهراية»، هكذا كان يحلو له السرد، ولم يكن الحوار «سؤال وجواب» مثلما كان فى زمن مبارك، إنما كان «حكايات يتقن سردها» الرئيىس السادات وتستملحها السيدة همت، وكان إصغاؤها محرضًا على توالى الحكايات التى كان يتقن سردها بحكم خلفيته الصحفية.

 
كان صفوت الشريف ممسكًا بتلابيب المهنة، ويعرف دور الإعلام، والحقيقة أن الفطنة تتصدر شخصية وزير إعلام بلد. أتذكر أن وزير إعلام عمان، وهو من أقدم من مارسوا المهنة، وصف لى صفوت الشريف بـ«الأسطى»، فلما سألته عن حيثيات رأيه قال: ١- إنه يعرف مهمة الصحافة فى مجتمع، وهى التنوير حتى ولو كان بدرجات. فلا توجد صحافة مثالية، إنها بين الواقعية والارتجالية أحيانًا. ٢- إن صفوت الشريف يدرك بكل الأبعاد منظومة وزارة الإعلام. ٣- إنه حريص على أن يرى الناس أوجاعهم لكى تتداركها المؤسسات المعنية. ٤- من خلال «جلسات خاصة» قال لى إن الإعلام هو مرآة المجتمع ولا بد أن يعبر عن إيجابياته وسلبياته، فالمجتمع الذى يهتم بإيجابياته دون سلبياته إنما يحرض على الهمس المدوى، وربما الأصوات النكراء، أصوات «جائحة الظلام» كما أطلق عليها رئيس وزراء مصر مدبولى.
 
نعم، كان صفوت الشريف يفتح النوافذ بحكم مهمته، مدركًا أن النوافذ هى هواء نقى وبلغة السياسة «طاقات تعبير»، كان يعرف حجم الفن على الشاشة وحجم الكرة على الشاشة، ولم يتجاهل الثقافة «أمسية ثقافية ولغتنا الجميلة وعشرين سؤال». كانت هناك معايير لاختيار من يظهر على الهواء على شاشة أو ميكروفون، وكانت هناك «فضائل» ضرورى الالتزام بها. كانت هناك شخصية مهمة اسمها «مراقب السهرة» يسمع ويرى ثم يرفع تقريره لفوق!، وكان هناك الثواب والعقاب، أنا شخصيًا، بعد عشرة أعوام من الإعداد وفهم اللعبة ومعرفة أبعاد الشاشة، رشحتنى سامية صادق لكى أظهر على الشاشة مع جميل مغازى ثم نادية كمال ثم أحمد معوض، وكان مصورنا طيلة مشوارى الفنان حمدى السبروت، منحه الله العافية. قالت سامية صادق وهى ترشحنى لصفوت الشريف «إن أسئلته مختلفة وغير تقليدية»، ذلك أنى أعتبر السؤال «يثقب الصمت ويخترق الغموض وربما يكشف المستور، والسؤال فضول مكتوم وعلامة استفهام معلقة على شفتين!.
 
لكن الثابت والواقع والموضوعى هو أن صفوت الشريف كوزير إعلام استطاع التنسيق مع القيادة السياسية فى أن «يلحقنا بنادى الفضاء»، إذ لولا هذه الخطوة الحضارية الجبارة لكنا «على رصيف نشحذ هذا المدى». دخلنا عالم الفضاء، وكان لصفوت بك جهد لا يستهان به، فهو شئنا أم لم نشأ مهندس «الفضائيات»، التى أصبحت مصر رائدة فيها، وزادت المحطات وتعدد النشاط، ولا بد لاسم صفوت الشريف أن يكون حاضرًا. أما الاتهامات المرسلة والترهات فهى تذهب لمزبلة التاريخ!، ولا بد من القول إن القانون تعامل مع السيد صفوت الشريف، فلا أحد فوق القانون، ولكن عندما أشير على «رجال من مصر» تقودنى الموضوعية والنقاء السياسى إلى شخصية صفوت الشريف. رأس منظومة الإعلام كما يجب. أدارها بشكل علمى وعملى. كل صورة على شاشة فضائيات تنسب إليه. وهكذا يكون الإنصاف الأمين بعيدًا عن الهوى، والإنصاف سمة شخصية السيسى يوم أنصف محمد نجيب بعد غبن السنين فى بيت مهجور فى المرج.
نقلا عن المصرى اليوم