منى مكرم عبيد
تصريحات وزير الخارجية الأمريكى، أنطونى بلينكن، عقب يوم واحد من توليه منصبه، أن بلاده تنوى مراجعة سياساتها بالشرق الأوسط، خلال الفترة المقبلة، أول إشارة رسمية على تغيير سياسة واشنطن. ربما هذا الإع ان يتماشى مع تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن خلال حملته الرئاسية وتأكيده على أنه ينتوى نهج مسار مختلف، مع منح ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان اهتمامًا أكبر، بل استعادة الريادة الأمريكية فى العالم، وعدم الانعزال على الذات كما اتسمت حقبة ترامب، ولكن ما يعيب هذا النهج هو عدم وضوح موقف بايدن من قضايا الشرق الأوسط، وما هى القضايا التى يود إثارتها، ربما كانت شعارات الحملات الانتخابية فضفاضة وغير واضحة، حتى يبدو وكأنه لا يعرف بالضبط ماذا يريد من المنطقة. بلا شك، يتمتع بايدن بخبرات كبيرة فى العلاقات الدولية بحكم منصبه فى الكونجرس لسنوات، ثم فترة نائب الرئيس لأوباما، ولكن ما يعيبه حاليًا هو عدم وضوح موقفه، وما السياسة التى يريد تطبيقها، المتفق عليه هو اتجاه مغاير لما كان يقوم به ترامب، ولكن ماذا عن «نكهة » بايدن؟ ماذا عن المشروع الذى يود تطبيقه فى المنطقة؟ هل يعيد سياسات الفوضى الخلاقة كما بدت فى عهد جورج بوش الابن؟ أم دعم الجماعات المتطرفة تحت مزاعم حقوق الإنسان كما كانت فى عهد أوباما؟ الملاحظ أن بايدن اختار عددًا كبيرًا من فريقه الرئاسى من المحترفين والملمين ببواطن الأمور، مثل أنطونى بلينكن، وزير الخارجية، الذى كان ضمن فريق مستشارى الأمن القومى للرئيس أوباما، ولنائب الرئيس بايدن، ولكن تصريحاته عامة وغير واضحة، وهو ما يفتح الباب أمام كل السيناريوهات، خاصة مع تراجع أسعار النفط، ومحاولة خلخلة المشروع النووى الإيرانى دون ضربات عسكرية.
الغريب فى الأمر هو تصريحاته التى لا تتسم مع العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وكل من الرياض وأبوظبى، ولا تتماشى مع الإرث الذى تركه ترامب من خلال فنح الباب أمام دول المنطقة لتطبيع شامل مع إسرائيل، وهو ما يهدد عملية السلام، خاصة مع وقف صفقات سلاح للإمارات والسعودية، سبق الاتفاق عليها فى عهد الإدارة السابقة، وهو ما يشير إلى تجميدها أو فرض شروط جديدة. فى الوقت الذى قلت حدة التصريحات ضد إيران بخصوص مشروعها النووى، ومنح فرصة لعودة واشنطن فى الاتفاق من جديد فى حال أثبتت إيران حُسن نيتها فى الأمر، وهو ما تسعى للقيام به حاليًا بالتعاون مع روسيا وعدد من الدول الأوروبية.
لكن، لماذا تترك الإدارة الجديدة هذه الملفات، وإثارة ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان من جديد فى الشرق الأوسط؟، فهل هناك نية من بايدن لاستكمال إرث أوباما، ودعم تنظيمات راديكالية بالمواطنة لا الأوطان، وتعطى أولوية لأفكارها المتطرفة؟، أم تظهر جماعات إرهابية جديدة تمنح واشنطن فرصة التدخل والتواجد لسنوات قادمة بزعم مواجهة هذه الجماعات، كما سبق أن فعلت إدارة بوش الابن والحديث عن خطر القاعدة، كذلك فعلت إدارة أوباما بالحديث عن خطر داعش؟. ربما مع حقبة ترامب تراجعت نغمة الحروب، كما سبق وتعهد فى حملته الانتخابية، وانعكس ذلك على تحسن الاقتصاد الأمريكى وتعافيه من ويلات الحروب التى شنها الرؤساء السابقون، ولكن طفت الخلافات بين البيت الأبيض والبنتاجون، وتم تغيير وزير الدفاع لأكثر من مرة فى عهد ترامب.
الرهان الآن على تناغم العمل بين كل من البنتاجون والخارجية الأمريكية والبيت الأبيض فى الملفات الساخنة، ومدى قدرة واشنطن على كبح جماح إيران فى وقف طموحاتها فى مشروعها النووى، ومدى قدرة اقتناع إسرائيل بالخطوات الأمريكية لترويض إيران، أو تنفيذ إسرائيل لتهديدها للدفاع عن مصالحها باللجوء للحل العسكرى بضرب المشروع النووى.
من واقع خبراتى فى الشأن الأمريكى، والتواصل من قبل مع عدد من الشخصيات التى يعتمد عليها بايدن فى فريقه، مثل تمارا كوفمان ويتس، كذلك روبرت مالى، المرشح المحتمل لجو بايدن للعمل كمبعوث أمريكى خاص فى شؤون إيران، أؤكد أن البنتاجون لا يزال يرى أن مصر حجر الزاوية فى استقرار المنطقة، وأن هذا مهم للحفاظ على استقرار عملية السلام، ويضغط على البيت الأبيض فى هذا الاتجاه.
بينما فيما يتعلق بسد النهضة ربما أضعنا فرصة الضغط على إثيوبيا فى ظل حقبة ترامب، ولكن من المؤكد أن هناك تحديات عديدة فى ظل إدارة بايدن قد تؤثر على مصالح الأمن القومى المصرى، وهو ما يتطلب يقظة تامة، وطرح سيناريوهات عاجلة لوضعها أمام الإدارة الجديدة ومجلس الأمن، وإلا سيتحول الملف للبيت الأبيض كأداة ضغط جديدة لإرباك الجانب المصرى فى مفاوضات ومنح إثيوبيا فرصة ذهبية لإنهاء الملف بشكل كامل وفرض سياسة الأمر الواقع!
*برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم