هاني لبيب
فى بلادنا.. الكاتب هو الشخص الوحيد الذى لا ينتمى إلى أى نقابة أو اتحاد، فهو ليس صحفيًا معيّنًا فى أى مؤسسة أو جهة تنشر مقالاته، كما لا تنطبق عليه شروط عضوية اتحاد الكُتاب، إذ تقتصر على أصحاب الروايات والدواوين الشعرية بالدرجة الأولى، رغم أن مسمّاه لم يحدد فئة بعينها من الكُتاب، وتركها مفتوحة على إطلاقها، أى أنه «اتحاد الكُتاب»، وليس «اتحاد فئة من الكُتاب»، وبالتالى يظل الكاتب وحيدًا دون أى جهة تدافع عنه أو تحميه، رغم أهمية دوره فى إنتاج أفكار حقيقية لصالح المجتمع.
فى بلادنا هناك خلط كبير بين الصحفى والإعلامى والكاتب لدرجة تجعلك لا تلحظ أى مسافات ولو بسيطة للغاية تميز بينهم. والصحفى هو الذى يستطيع تتبع الأخبار والأحداث ونشرها بتفاصيلها الدقيقة بشكل موضوعى، والإعلامى هو مَن لديه القدرة على تصدير هذه الأخبار والأحداث بشكل مرئى، سواء من خلال التقارير الخارجية أو طرحها للنقاش المتوازن بين الضيوف أصحاب الخبرة، أما الكاتب فلديه القدرة على تحليل تلك الأخبار أو الأحداث وربطها ببعضها البعض بشكل يجعله يقدم حلولًا ومبادرات جديدة حولها، فضلًا عن التحذير من بعض آثارها السلبية إن لم ننتبه إليها بشكل جيد. وقطعًا يمتلك البعض مهارات مشتركة تُمكِّنه من الجمع بين «الصحفى والإعلامى» أو «الصحفى والكاتب»، وأحيانًا بينها جميعًا، مع مراعاة أن للصحفى نقابة وللإعلامى نقابة، أما الكُتاب فلا يجمعهم كيان مشابه.
ودائمًا ما يسأل الكاتب نفسه عن جدوى ما يكتبه، خاصة أن البعض عندما يختلفون مع أفكاره يتهمونه بأنه غير قادر على التغيير، وليس له تأثير فى الواقع، والحقيقة أن دور الكاتب ينتهى عند نشر أفكاره وإتاحتها للجميع لأنه ببساطة ليس سلطة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، لكن عزاء الكاتب معرفته بأن الأفكار لا تموت، وأساس البناء والتغيير والتطوير هو تلك الأفكار بالدرجة الأولى.
والكاتب هو من أكثر الفئات تعرضًا لاقتباس كلماته وأفكاره، وأحيانًا تحويرها، بل سرقتها، إذ يتم نقل ما يكتبه حرفيًا ونشره دون الإشارة إليه، ومرورًا بمحاولة تمويه كلماته وأفكاره، لكن من الصعوبة طبعًا أن تطمس ملامح كاتب وبصمته وأفكاره وأسلوبه مهما حدث، حتى وإن لجأ البعض إلى إضافة فقرات، وهذه الفقرات تشوه غالبًا الفكرة الأصلية، وتُكسبها معنى مغايرًا وعكسيًا للمراد منها.
أضف إلى ذلك أن هناك أشخاصًا مصابين بشغف كتابة المقالات، وهو شغف لا يستند على واقع، فهؤلاء غالبًا لا يملكون موهبة من الأصل لبناء مقال الرأى، وتلك الحمى غالبًا سببها انتشار فكرة كتابة المقال كشكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية.
كُتاب الرأى قيمة وقامة، وأعتقد أنه قد آن الأوان للاهتمام بهم، فالعديد منهم يواجهون تحديات الحياة دون أى مساندة، رغم دورهم الإيجابى الذى يقدمونه بكثير من الإخلاص والدأب والاجتهاد دون أن ينتظروا أى مقابل.
نقطة ومن أول السطر..
الكلمات والأفكار لا تموت.. وربما يأتى تأثيرها الحقيقى بعد كتابتها بسنوات، ولكنها تظل بداية كل جديد.
نقلا عن المصرى اليوم