محمود العلايلي
سواء خرجت تلك العبارة على لسان الرئيس السابق حسنى مبارك أو كتصريح من وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط تعليقًا على أحداث تونس يناير2011 فليس هذا أساس موضوعنا، ولكن أساس الموضوع هو الإشارة لأول ما يتبادر لدى الرسميين وتصوراتهم عن الحالة الذهنية للمواطنين المصريين المبنية على مسألة الخصوصية المصرية، وهو ما يتضح فى خطاب الإعلام الرسمى، أو بين الرسميين وبعضهم، أو فى أحاديث المواطنين فى مناقشاتهم وسمرهم، وتتلخص هذه التصورات فى أن مصر- دولة ومواطنين- تختلف عن سائر دول العالم، وأن الحالة المصرية متفردة لدرجة لا يجب بالضرورة ربطها بأى حدث دولى أو إقليمى، ولا يقتصر هذا التصور على الفخر والمبالغة، ولكن أيضا عند التقليل من الشأن أو الحط من القدر، لأن فكرة التفرد المبالغ فيها تسمح بالفخر والتبرير والتهويل والتهوين وهى مسائل كلها تندرج تحت بند التملص من المسؤولية لدى الرسميين والتخفف من تبعات التحليل وموضوعية الطرح لدى المسؤولين غير الرسميين أو المواطنين العاديين.
والحقيقة أن مسألة التفرد تبدأ من الفخر المتوارث بموقع مصر الفريد وجوها الذى لا يقارن، بالإضافة إلى شواطئها التى ليس لها مثيل والمناظر الطبيعية الرائعة الموجودة على مرمى البصر فى جميع الأنحاء!، وهى أمور يوجد مثلها فى العديد من دول العالم، بالإضافة طبعًا إلى التفرد التاريخى وتعدد الثقافات، إلا أن مرض التفرد والخصوصية قاد المجتمع إلى الفخر بالتفرد فى أمور سلبية حتى وإن كانت عن طريق السخرية، مثل التزاحم فى الأسواق ووسائل المواصلات تحديًا لكوفيد 19 بزعم المناعة الطبيعية للمصريين، أو التندر بتواجد السيارات جنبًا إلى جنب مع التكاتك والميكروباصات والعربات التى تجرها الدواب دون أن يعوق ذلك حركة المرور أو المشاة بالرغم من السير عكس الاتجاه والوقوف المتكرر، ناهينا عن الإعجاب بالقفز فى القطارات ومنها أثناء سيرها كسلوك مصرى خالص، والتعامل مع أسلاك الكهرباء العارية للاستخدامات اليومية، هذا بالإضافة إلى المغالاه بأننا شعب متدين بطبعه، حتى وإن شاب ذلك التدين بعض الفساد أو صاحبه مسحة من التحرش الجنسى إلا أن ذلك التناقض يضاف إلى أعاجيب الخصوصية والتفرد، وتضاف هذه السخرية إلى قائمة التفرد بأننا الشعب الوحيد الذى يسخر من سلبياته، إلا أن أعراض مرض التفرد تتجلى فى الخطاب الإعلامى الرسمى عند وصف أى إنجاز بغير المسبوق والأول والأكبر والأعلى وكل ما يتصل بأساليب المبالغة والتأكيد على اقتصار الإنجاز على مصر دون غيرها، بالإصرار على بيع بضاعة التفرد والخصوصية للمواطنين سواء على صعيد العلم أو الأدب أو الفن أو التاريخ العسكرى والسياسى وبكل ما تحتويه هذه البضاعة من بعض الصدق حينًا، والتهويلات أحيانًا، والأكاذيب أحيانًا أخرى.
إن المقلق دائمًا أن بعض خطابات التفرد والخصوصية لا تتغير بتغير الحالة السياسية، وذلك بالترويج المستمر للأخطار الأمنية والاقتصادية والبيئية المحيقة، أو المبالغة فى ترسيخ نظريات المؤامرة التى تنسج حول مصر دون غيرها، وهى بالطبع ظروف استثنائية أزلية تستدعى إجراءات استثنائية على المستوى الرسمى، يؤدى قبولها إلى تغيرات اجتماعية عشوائية عبر عنها المأثور الشعبى بالاستناد على عبارة عديمة المعنى مثل «شعب مالوش كتالوج» لتبرير تفرد الخروج عن القواعد والقوانين، بينما من الأجدر أن نرسخ فى الذهنية المجتمعية أننا دولة عادية جدًّا من دول العالم، يجرى علينا ما يجرى على الآخرين من أسس القوانين المحلية وقواعد القانون الدولى، نطمح للصعود والتفوق بقدر، لأن فكرة التفرد «المزعوم» فى ذاتها تعطل أى طموح وتقتل أى رغبة فى التقدم بالاكتفاء بما نحن فيه، وهو المبالغة إلى حد الكذب فى الإيجابيات، والسخرية إلى حد تمجيد الواقع فى السلبيات.
نقلا عن المصرى اليوم