معظم من سيقرأون تلك المقالة هم من الطيور المهاجرة ، ولو سألتني ماهو السبب الذي لو أتيحت لك الهجرة لسافرت من أجل تحقيقه؟، لقلت لك على الفور ، سأسافر لكي أخلع الأقنعة !!، فالهجرة من أجل المال ليست هي السبب لأن هنا في مصر مجال خصب للإستثمار والكسب ، ومع فارق الأسعار ستجد أن مصاريفك هنا في مصر أقل من الدول الغربية ، والهجرة من أجل السيستم الصارم ونفاذ القانون في بلاد الغرب مهم ولكنه ليس هو المراد من رب العباد ،فمن الممكن أن يتحقق هنا في وطنك بمنظومة قانونية فاعلة وناجزة ، وغالباً مايتحمل المرء هذا البطء القانوني وثغراته في سبيل الدفء الإنساني واللمة والصحبة في الوطن الأم ، لكن ما يؤرقني فعلاً هو أنني طوال الوقت في بلدي أرتدي قناعاً ، منذ ولادتي وحتى الممات ، في طفولتي أرتدي قناعاً حتى أرضي من حولي وأحصل على لقب الطفل الشاطر ، وهذا اللقب معناه الطفل الصامت، الأخرس، المشلول، الهادئ، الذي لايتحرك من مكانه ، بلاش شقاوة وعفرته ، هكذا أكون طفلاً مزعجاً ، وأحياناً من فرط شقاوتي ومرحي وبهجتي يسمونني “طفل موت“!!، الفضول ممنوع ، والدعبسة واللعب في متعلقات الأب والأم عيب وقلة أدب وبوادر سرقة مبكرة ، أضطر إلى إرتداء قناع الطفل اللذيذ المقبول إجتماعياً بكل بلادته المعهودة ، في المراهقة والشباب لابد من الحصول على كارنيه المواطن الصالح الأمير الطيب المحافظ على ثوابت المجتمع ، ماهي تلك الثوابت ؟؟، الله أعلم، هي مازورة وضعها المجتمع لابد من أن تكون على مقاسها ، هي كتالوج لابد أن تضبط على تروسه ، باترون لابد أن تناسبه حتى ولو لم يناسبك، والكارثة لو أنك بنت ، لو حظك السئ جعل منك تاء تأنيث على شكل شيطان مزمن إغوائي ، عليك وقتها إرتداء ألف قناع ، لو إبتسمت فأنت في سبيلك لإصطياد رجل ، لو ضحكت فأنت تتلظين في نار الجنس ، لو تأنقت فأنت تمشين على حل شعرك ، لو تنمصت فأنت ملعونة، لو تعطرت فأنت زانية ، لو تبخترت فأنت عاهرة!!،
لو تدللت فأنت في قاع جهنم ، لو تمنعت فستلعنك الملائكة حتى الصباح ، فلكي تكوني شريفة عليك إرتداء كل تلك الأقنعة حتى تحصلين على صك السيدة العفيفة الأليفة الشفيفة ، عند الحب يرتدي كل منا قناعاً ، نتحدث عن كل شئ من ” ملة السرير والنيش ” حتى ” جزمة الفرح والدي جي “، كل شئ إلا الحب ، ندخل في ماكينة المجتمع ونتهرس فيها ، ننفذ كل مايطلبه منا من خطط إستراتيجية للزواج ، ترقص الفتاة في كل الأفراح لأن أمها حذرتها من خطر العنوسة ، وأنه يجب عليها إصطياد العريس ، مرة ترقص بسواريه ، ومرة ترقص بحجاب ، حسب ظروف الفرح !!، الولد يحمل معه كتاب كيف تختار عروسة، على مزاج الأهل، والأصدقاء، والشيخ ، والكاهن ، ومجلس الآباء، وشلة النادي ، وبرامج التوك شو، إلا مزاجه هو !!!، نظل حتى نشيخ وتهاجمنا التجاعيد نرتدي القناع تلو القناع ، لنرضي من حولنا ، إلا ذواتنا ، لانسأل أنفسنا مرة هل نحن حققنا وفعلنا مانحب ؟، هذا هو الفارق الجوهري الذي تجده هناك في بلاد الثلج والضباب ولاتجده هنا عندنا في بلاد الحر والوهج ، ترتدي قناع التخشب والتيبس وأنت تريد أن ترقص ، جسدك يريد أن يحلق وأن يطير وأن يتمايل وأن يتحقق ، لكنك تعلمت أن عشق الجسد فاني وأن العشق الحقيقي هو عشق الروح ، وأن جسدك هو منبع الرجس والنجس والخطيئة والرذيلة ، ترتدي قناع الحفاظ على العائلة وتظل محتفظاً بعلاقة مزيفة ، أو تحتفظين بمشاعر باردة ، لا لشئ إلا لأن هناك أولاد ، بالطبع أجمل شئ هو علاقة حب في دفء أسرة ، لكن لو لم يكن هناك حب بل كراهية مكتومة فما فائدة هذا الزيف الأسري ؟!، ترتدي قناع الشيخوخة المبكرة حتى لاتتهم بالتصابي ، مادمت تحس بأنك مازلت شاباً من الداخل فلماذا تلك الكآبة ؟؟!، تضطر آسفاً لإرتداء قناع ” الراجل البركة” ، وتنسى أن بيكاسو ظل شاباً حتى مشارف التسعين ، وكان يحب ، ويبدع بسبب ومن أجل الحب ، تنظر إلى المرآة بعد المعاش وتسأل نفسك ، هل هذا الوجه وجهي ؟!،
هل وأنا في حصة الرسم عندما كنت طفلاً رسمت شجرتي أم الشجرة التي يريدها مدرس الرسم ؟، هل وأنا في حصة التعبير كتبت نفسي وتعبيري أم عبرت عما يريده ” خوجة” العربي من كليشيهات وسجع وجناس لزج ؟، هل أحببت كمراهق فتاتي نموذجي أم نموذج المجتمع؟، هل درست كشاب ما أحبه أم مايحبه لي المجتمع والأهل ؟، هل عملت في وظيفة أتمناها وأعشقها من داخلي أم هو الروتين والعادة؟؟؟!!، شعيرات بيضاء نبتت في ذقنك ياعزيزي ، وشعيرات بيضاء نبتت في مقدمة شعرك ياعزيزتي ، إكتشفت وإكتشفتِ أن كلاكما مزيف، أنت لم تكن أنت ، وأنتِ لم تكوني أنتِ ، إخلعوا الأقنعة حتى ولو إضطررتم إلى سلخ جلد دفء العادة وأمان نسيج القطيع ، إخلعوا الأقنعة لتعودوا إلى رحابة ذواتكم بدون أسوار ولاجدران ولا رضاء العامة وغزل الشارع ، إخلعوا الأقنعة وإفرجوا عما في الصدور ، ستجدون أنفسكم أخيراً ، قبل الرحيل كنسخ باهتة ، إكتشفوا أنفسكم كطفرة متمردة مشعة متألقة ومتفردة.
نقلا عن : http://www.good-news.ca/