توجه جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" أنظارنا إلى أن الفيروسات -على صغر حجمها- قادرة على الفتك بالإنسان في أي زمان ومكان، ولكن ثمة في هذه الكائنات معجزات تتجاوز كونها عوامل مسببة للأمراض.
وتقول مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية" في عددها لشهر فبراير: "إن الفيروسات بأس شديد أم منافع للناس؟".
ويكشف التحقيق الصحافي الرئيس للمجلة التي تترأس هيئة تحريرها الأستاذة السعد المنهالي- حقيقةَ أننا نعيش في عالم من الفيروسات، فيروسات متنوعة إلى حد يستعصي على الفهم، ووفيرة العدد إلى حد يفوق الحصر.
وتضرب المجلة مثالا على ذلك بمحيطات العالم وبحاره التي يمكن أن تحتوي وحدها على جسيمات فيروسية أكثر من النجوم في الكون المرئي".
وتكشف رحلة التحقيق مجاهيل الفيروسات، بدْءًا بتحديد ماهيتها، إذ أن تعريف هذه الكائنات الصغيرة ظلت تتغير على مر 120 عاما تقريبًا، وذلك بالنظر إلى طبيعتها شديدة التعقيد؛ فكان كل عالم يطلق عليها تعريفا حسب فهمه الخاص وتبعًا لما توافر من أجهزة ووسائل بحث في زمانه.
ولكنهم جميعا اتفقوا على أنها ليست خلايا حية، بل تحتاج إلى جسم مضَيّف كي تستنسخ نفسها وتتكاثر.
وأما المحطة الثانية لرحلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية" عبر عوالم الفيروسات فتعود بنا إلى تاريخ ظهور أبكرها على وجه الأرض، والذي يُقدّره العلماء بنحو أربعة مليارات سنة خلت، حين نشأت الفروع الثلاثة الرئيسة للحياة: البكتيريا والعتائق وحقيقيات النوى.
وههنا يطلق العلماء العنان لفرضياهم بشأن الفيروسات للإجابة عن هذا التساؤل: هل هي فرع رابع مستقل في شجرة الحياة أم طفيليات غريبة عنها؟
ويشرع هذا التحقيق، الذي تؤثث إحدى صوره "الفيروسية" غلافَ المجلة لهذا الشهر، في تشريح الفيروسات لمعرفة مكوناتها وتحديد أنواعها وتبيان أضرارها ومنافعها، إذ تكتشف أنها وإن كانت عوامل مسببة للأمراض فإنها ضرورية للحياة على الأرض.
ويتكون نحو 8 بالمئة من حمضنا النووي (DNA) من الفيروسات التي أصابت أسلافنا القدامى وأدخلت مورّثات (جينات) فيروسية إلى جينوماتهم، وتقوم بعض هذه المورثات اليوم بأدور مهمة في المراحل المبكرة من نمو الجنين، بل تساهم في تنظيم الجهاز المناعي ومقاومة السرطان.
ومثالا على ذلك، يقول العلماء إنه نظرا للدور المهم للفيروسات، فإن من شأن التخلص منها جميعًا أن يتسبب بانهيار التنوع البيولوجي الهائل الذي ينعم به كوكبنا "تماما كما يحدث لمنزل خشبي جميل عندما يخلع منه كل مسمار على نحو مفاجئ".