توقع محللون تأثيرًا سلبيًا على الموازنة العامة لمصر نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا خلال الفترة الماضية، لكنه قد يكون محدودًا بالنظر إلى وجود مساحة في الموازنة تسمح لمصر بالتعامل مع هذه الزيادات.
وسجل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة (فاو) ارتفاعًا حادًا في شهر يناير الماضي، وذلك للشهر الثامن على التوالي وبأعلى معدل شهري منذ يوليو 2014.
وتعتمد مصر بشكل كبير على بعض الأغذية التي تستوردها من الخارج مثل القمح، التي تعد أكبر مشترٍ له في العالم، بجانب الزيوت النباتية التي تستورد مصر نحو 97% من احتياجاتها من الخارج.
وسجلت أسعار القمح العالمية زيادات كبرى خلال شهر يناير الماضي بارتفاع نسبته 6.8%، وقالت فاو إن الزيادة نتيجة لارتفاع الطلب العالمي والتوقعات بانخفاض المبيعات من جانب الاتحاد الروسي اعتبارًا من شهر مارس المقبل، عندما ستبلغ الرسوم الجمركية بالنسبة إلى صادرات القمح الضعف.
ووفقا لمؤشر فاو فإن أسعار الزيوت النباتية ارتفعت بنسبة 5.8% في يناير وبلغ مؤشر متوسط الأسعار أعلى مستوى له منذ شهر مايو 2012، موضحة أن هذه الزيادة تعكس ارتفاع أسعار زيوت النخيل والصويا ودوار الشمس.
وتستورد مصر احتياجاتها من الزيت من أنواع زيوت النخيل والصويا ودوار الشمس، وفقا لما تعلنه هيئة السلع التموينية.
هل تتأثر موازنة مصر؟
يتوقع محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين ببنك هيرميس، أن يكون ارتفاع أسعار الغذاء له تأثيرًا سلبيًا على موازنة مصر ولكن "محدود".
وقال لمصراوي إن الموازنة العامة للدولة للعام الحالي بها مساحة مرونة للتعامل مع مثل هذه الزيادات.
ويتفق معه نعمان خالد، المحلل الاقتصادي ومساعد مدير بنك استثمار "أرقام كابيتال"، ويقول إن الارتفاع له تأثير بالفعل، لكنه يتوقف على عدة أمور منها تقديرات الحكومة للأسعار في الموازنة ومدى اختلافها عن السعر الحالي.
وتقدر الحكومة سعر طن القمح في موازنة العام الجاري عند 199.5 دولار للطن، وتشير هذه التقديرات إلى توقع سعر القمح الأمريكي مستقبليًا باستخدام متوسط عقود الشراء المستقبلية المتداولة في البورصة العالمية AHDB، والاسترشاد بتوقعات عدد كبير من المؤسسات المالية الدولية، وفقًا لما ذكرته وزارة المالية في البيان المالي لموازنة العام الجاري.
وكانت الحكومة تتوقع تراجع أسعار القمح وفقًا لما ذكرته في البيان المالي ولذلك قدرت الطن عند 199.5 دولار.
ويتداول القمح الأمريكي اليوم عند 285 و289 دولارًا للطن لنوعيه الـ Hard والـ Soft، وفقًا لبيانات المجلس العالمي للحبوب.
وتشير بيانات مؤسسة القمح الأمريكي إن سعر القمح بدأ في الصعود الكبير بداية من يوليو الماضي عندما وصل لأكثر من 200 دولار للطن.
وتبدو هذه الزيادة على عكس رغبة مصر، لذلك توقع علي المصيلحي، وزير التموين، في ديسمبر الماضي استقرار الأسعار في الشهور المقبلة، حسبما نقلت وكالة رويترز.
ويرى نعمان خالد إن أثر الزيادة قد يتلاشى على الموازنة في حال كانت الحكومة تتحوط من ارتفاع أسعار القمح.
وذكر محمد معيط، وزير المالية، في حوار مع وكالة بلومبرج ديسمبر الماضي إن الحكومة لا تزال تدرس التحوط ضد ارتفاع أسعار الحبوب.
لكن الهيئة العامة للسلع التموينية، زادت من مشترياتها من القمح بنسبة 40% تقريبا في بداية موسم الشراء العام الماضي في ظل سعيها لامتلاك مخزون استراتيجي يكفي ستة أشهر.
وساعد المخزون مصر في تفادي زيادات حادة في أسعار القمح وسط طلب عالمي مرتفع وضرائب تصدير محتملة وتحديد حصص لتصدير القمح الروسي، بحسب رويترز.
وقالت الوكالة إن مشتريات الهيئة تباطأت في الربع الأخير من العام الماضي.
وفي أغسطس الماضي أوضحت بيانات وزارة الزراعة الأمريكية أن مصر استوردت 13.3 مليون طن الموسم الماضي، في حين بلغ إنتاجها 8.77 مليون طن.
وسبق هذه البيانات إعلان وزارة التموين في يوليو الماضي أن الحكومة استطاعت شراء 300 ألف طن إضافي من القمح مقارنة بما اشترته في العام السابق له، بجانب أنها اشترت 3.5 مليون طن قمح من المزارعين خلال الموسم الماضي.
وفي أبريل الماضي طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من الحكومة، تعزيز الاحتياطيات الاستراتيجية لمصر في مواجهة مخاوف بشأن الإمدادات العالمية بسبب فيروس كورونا، مما دفع الهيئة العامة للسلع التموينية لطلب القمح بينما كان موسم الحصاد مستمرا.
ورغم زيادة المشتريات من السلع الأساسية كان لدى الحكومة وفرًا في الموازنة العامة خلال الفترة الماضية نتيجة انخفاض أسعار النفط بأقل من الذي تقدره الحكومة في الموازنة.
وبحسب نعمان فإن الحكومة كان لديها وفرًا كبير جدًا من تراجع أسعار النفط خلال العام الماضي، وهذا يدعم فكرة عدم تأثير الارتفاع في أسعار السلع على الموازنة.
ويقول محمد أبو باشا إن الوفر في الموازنة العامة كان نتيجة الحرص في المصروفات خلال الفترة الماضية مع التحوط من زيادات أسعار البترول.
وتتحوط مصر من ارتفاع أسعار النفط عن المقدر في الموازنة العامة وتقدر مصر سعر برميل النفط عند 61 دولارًا، فيما كان السعر أقل من 60 دولارًا منذ فبراير 2020 ووصل لمستويات 30 دولارًا في بعض الأحيان.
ويتوقع نعمان أن تلقي هذه الزيادة بظلالها على معدل التضخم في مصر، وقال "نتوقع ارتفاعات في التضخم خلال الفترة المقبلة"، مشيرًا إلى أن الزيادة لن تكون كبيرة ولكن قد نرى معدل 6 أو7% للتضخم السنوي.
ووفقًا لبيانات جهاز الإحصاء سجل معدل التضخم السنوي في ديسمبر الماضي 6%، وسجل متوسط معدل التضخم السنوي في العام الماضي 5.1% مقابل 8.5% في عام 2019.
وقال خالد إن التضخم المنخفض عند 2 و3% دليل على ضعف قدرة المواطن الشرائية، موضحًا أنه من الجيد زيادة التضخم بنسبة ضئيلة حتى يستطيع المُنتج رفع أسعاره سنويًا وتحقيق توزانًا مع تكاليف الإنتاج.
وستكون مصر على موعد قريب من موسم حصاد القمح المحلي في أبريل المقبل وهو ما قد يجنبها تأثيرًا سلبيًا لهذه الزيادة في الأسعار، في ظل تصريحات سابقة لوزير التموين تقول إن الاحتياطي من القمح نحو 5 أشهر ونصف.