كتب – روماني صبري
وجه الأنبا نيقولا أنطونيو، المتحدث الرسمي للروم الأرثوذكس في مصر وسائر إفريقيا، رسالة لشعب الكنيسة، عبر حسابه الرسمي على موقع "فيسبوك"، وجاء في الرسالة :
نحن الأرثوذكس نعترف إعترافا مستقيما بثلاث أقانيم الآب والأبن والروح القدس، وبطبيعة الهية مشتركة بين الأقانيم الثلاثة. هذا التمييز فى الثالوث بين الطبيعة والأقنوم لا يبطل عندما نتحدث عن تجسد أحد هذه الأقانيم، كما يقول غريغوريوس اللاهوتى فى رسالته الى كليدونيون؛ بمعنى أنه كما فى الثالوث نعترف بطبيعة واحدة وثلاث أقانيم، فهكذا فى ايماننا الخرستولوجى فأننا نتعرف بطبيعتين وأقنوم واحد. وفى هذه الأقنوم الواحد توجد الطبيعتان بغير أختلاط ولا تغيير، وهذا الأقنوم هو أقنوم الله الكلمة والذى كان بسيطا قبل التجسد (بمعنى أن له الالوهة الأزلية) والذى صار، هو نفسه، مركبا بعد التجسد (بمعنى أنه أتحد الناسوت مع اللاهوت ).
وحسب ما سبق، يصير من المستحيل أن نفهم أن الأقنوم المركب كلمة الله المتجسد فى المسيح، والذى هو واحد فى الثالوث، يكمن أن يتم تحديده "كطبيعة" . فما دمنا قد حددنا الطبائع الكائن منها المسيح، أى الالهية والانسانية، فانه من المستحيل كيانيا ومنطقيا ولاهوتيا أن نحدد كلمة الله المتجسد والمكون من الطبائع "كطبيعة" لأن تحديد معنى "الطبيعة" شئ وتحديد معنى "الأقنوم" شئ أخر.
ولأن الغير الخلقيدونيون يؤكدون بأن القديس كيرلس قد دعى المسيح الواحد "طبيعة واحدة لكلمة الله متجسدة" (Μία φύσις τού Θεού Λόγου Σεσαρκωμένη)، بمعنى "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة"، يصير الأمر فى حاجة الى تدقيق. فنحن الأرثوذكس وحينما نتحدث عن "الهوية الأقنومية للمسيح"، فأننا بالتأكيد نعترف بأن المسيح هو "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة"، وذلك حسب تعليم القديس كيرلس والمجامع التى قبلت التفسير الارثوذكسى الشامل لهذا التعبير.
يجب أن نفهم الطبيعة الواحدة بشكل ارثوذكسى، أى أنها أقنوم واحد. حيث أنه ومن خلال نصوص القديس كيرلس لا يحق لنا بالمرة أن نصف المسيح بأنه "طبيعة واحدة"؛ لأن القديس كيرلس قد شدد أنه "ليس للفظ المسيح قوة تعريف وتحديد ولا يوضح جوهر شئ ما، كأى اسم علم مثل رجل أو حصان أو ثور" (القديس كيرلس، تجسد الأبن الوحيد، باترولوجيا جريكا 75). بمعنى أنه لا يعبر عن معنى محتوى الطبيعتين. ومن الأباء من رأى أن القديس كيرلس قد بالغ فى استعمال تعبير "الطبيعة" ولكنه كان بالتبادل مع تعبير "الأقنوم" (أفرام الأنطاكى، مكتبة فوتيوس باترولوجيا جريكا 103). غير أنهم يوضوحون بأن هذه المغالاة ممكنة طالما أن الأقنو م يحمل اسما وتحديدا للكل على أعتبار أنه هو الأصغر فى القياس المنطقى، غير أنه وحسب الدقة التى تتطلبها العقيدة، "فإن الأقنوم هو أقنوم ويسمى أقنوم لأنه ليس هو مجرد طبيعة لكن هو طبيعة ذات خصائص" (يوحنا الدمشقى: ضد اليعاقبة 52، الايمان وضد النساطرة 13). الشئ المؤكد أن القديس كيرلس قد حافظ على التمييز الواضح بين "الطبيعة" و"الأقنوم" عند الحديث عن الخرستولوجى، هذا التمييز الموروث عن الأباء الكبار أثناسيوس وباسيليوس وغريغوريوس، ويتضح ذلك أيضا فى الجزء من الرسالة الثانية الى سيكينوس. وبصفة عامة، فمن المستحيل أن تتطابق الطبيعة والأقنوم، لأن كل منهما يشير الى أمور ومعانى مختلفة .
يؤمن الارثوذكس بأن فى المسيح طبيعتان مؤقنمتان، متحدتان فى الأقنوم الواحد للكلمة المتجسد. بذلك فإن المسيح اله حقيقى وانسان حقيقى وذلك حسب الفكر الأرثوذكسى لأنه هو بذاته الله فى اتحاده بالجسد بسبب لاهوته، وهو بذاته انسان فى اتحاده باللاهوت بسبب بشريته. وهذا ممكن بسبب من "تبادل الخصائص"، كأن يبكى كأنسان ويقيم ميت كأله، فى الأقنوم الواحد والشخص الواحد. والتى نفهمها بشكل ارثوذكسى مستقيم، أى أنها تحدث فى الأقنوم الواحد.
فإننا نخلص الى أن "الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة" لا يمكن بأى شكل أن تكون "طبيعة حقيقية" أو "جوهر" (حسب تطابق تعبيرى جوهر وطبيعة). بينما فى المفهوم الخرستولوجى الأرثوذكسى، فإن "الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة" هى "أقنوم" أو "شخص" (بمعنى تطابق الأقنوم مع الشخص، وليست الطبيعة مع الأقنوم)، وهذه الطبيعة قادرة على أن تحتفظ بجميع خصائصها الأقنومية التى تجعلها متميزة عن الأب والروح القدس وعن والدة الأله وعنا، نحن، طالما أنه لكل طبيعة خصائصها الجوهرية. وكما يقول يوحنا الدمشقى: "أن البنوة هى خاصية الكلمة وهذا ما يميزه عن الأب والروح القدس، كما أن خصائص الجسد هى التى تميزه عن أمه وعن باقى البشر. وخصائص الطبيعة الالهية يشترك فيها الأب والروح القدس، بينما معالم الطبيعة البشرية هى التى توحدنا وبأمه وبنا".