كتب : مدحت بشاي
يقولون في كتب التاريخ وأنا معهم " من لم ير القاهرة لم ير الدنيا .. فأرضها تبر ونيلها سحر .. ونساؤها حواري الجنة في بريق عيونهن .. ودورها قصور .. ونسيمهاعليل ، كعطر الندا ينعش القلب ، وكيف لا تكون القاهرة كذلك ، وهي أم الدنيا ؟
وعنها وفيها تغنى الشاعر العظيم الراحل " سيد حجاب" ..
هنا القاهرة الساحرة الآسِرة الهادرة الساهرة الساترة السافرة
هنا القاهرة الزاهرة العاطرة الشاعرة النيّرة الخيّرة الطاهرة
هنا القاهرة الساخرة القادرة الصابرة المنذرة الثائرة الظافرة
صدى الهمس في الزحمة و الشوشرة
أسى الوحدة في اللمة و النتورة
هنا الحب و الكدب و المنظرة
نشا الغش في الوش و الإفترا
هنا القرش و الرش و القش و السمسرة
هنا الحب و الحق و الرحمة و المغفرة
و انا ف قلب دوامتك الدايرة بينا
بصرّخ بحبّك يا أجمل مدينة
يا ضحكة حزينة .. يا طايشة و رزينة
بحبّك و اعفّر جبيني في ترابك
و اعيش في رحابِك و أقف جنب بابك
جنايني أروي بالدم وردة شبابك
يا زينة جنينة حياتنا اللعينة
بحبّك يا بنت اللذين
بحبّك
القاهرة مدينة متعددة المدن !!.. فيها العواصم الأربع القديمة : الفسطاط ، العسكر ، القطائع ، والقاهرة الفاطمية .. بالإضافة إلى قاهرة إسماعيل ، ثم إلى " مدينة " نصر و" مدينة " مصر الجديدة ، وامتداداتهما إلى مدينة القاهرة الجديدة ومدينة السلام .. إلى مدينة الصحفيين ، ومدينة الضباط ومدينة أساتذة الجامعة ، وأحياء الدقي والعجوزة ، ومدينة امبابة ، وكلها غرب النيل ، وفي الجنوب نجد " مدينة " المعادي و" مدينة " حلوان .وأصبحت العاصمة المصرية مدنًا وراء مدن .. وراء مدن ، حتى إنها تخطت الاسم الجغرافي المتعارف عليه جغرافيًا باسم المدينة المتروبوليتان التي لم تكن تتعدى مدينتين أو مدينة وثلاث ضواحي مثل نيويورك التي تمتد إلى مانهاتن إلى بروكلين إلى ستاتين .
يقول كاتبنا الكبير عباس الطرابيلي " لم تعد القاهرة مدينة يسكنها عدة آلاف ، بل مدينة يسكنها الملايين .. وكان عدد السكان في أول إحصاء ـ وهو الذي أجرته سلطات الاحتلال الفرنسي عام 1799 ـ هو 260 ألف شخص ، ثم أصبح مع تحديث المدينة أيام الخديو إسماعيل 375 ألفًا ، فإذا قفزنا حوالي 100 عام نجد أن عدد سكان القاهرة عام 1966 هو 4 ملايين و220 ألف شخص ، وبعد 10 سنوات يرتفع عدد سكان العاصمة إلى 6 ملايين و115 ألفًا ، أي زاد عدد سكانها حوالي مليوني نسمة خلال 10 سنوات ، والآن يصل عدد سكان العاصمة إلى 10 ملايين ، وإن كان عددهم يبلغ في النهار 13 مليونًا يعملون فيها إذ يدخلها كل صباح نحو 3 ملايين ، يخرجون منها كل مساء ، لأنهم يعملون بها ، ولا ينامون أو يقيمون فيها .واشتهرت القاهرة القديمة ـ وبالذات الفاطمية ـ بتعدد مسالكها .. هناك : الميدان ، والشارع ، والحارة ، والدرب ، والزقاق ، وكانت الحارة هي أساس تخطيط المدينة قديمًا ، ومنها يتفرع الدرب والزقاق ، إلى أن نصل إلى العظفة ، ثم إلى الخوخة .والحارة كان يقيم فيها إما أبناء المهنة ، أو الحرفة الواحدة ، ومازال أبناء " الحتة " الواحدة يتحدثون عن أبناء الحارة الواحدة بقولهم " عيب دا احنا أولاد حارة واحدة " أي هناك ما يربطنا .
وإذا كانت الخوخة هي الأصغر ، فإن الرحبة هي التي كانت توجد أمام بيوت الأمراء والكبراء والأغنياء .. وجمعها رحاب ، أما الزقاق فغالبًا ما كان مغلقًا في نهايته ، أي هو عبارة عن مدخل لعدة بيوت ، وكان غالبًا ما تتفرع من الزقاق عدة أزقة ، وأما الدرب فكان هو الأكبر الذي يبدأ من الباب الكبير للحارة عندما كان لحارات القاهرة أبوابها .والزقاق غير " الزنقة " في تونس والمغرب ، فإذا كان الزقاق عندنا صغيرًا في الطول والعرض ، إلا أن الزنقة عبارة عن شارع ، ولكن أقل اتساعًا وطولاً من الشارع الطبيعي .
ولكن انتهت الحارات .. وانتهت الدروب .. وانتهى عصر الأزقة .. كما انتهى ـ من زمن ـ لفظ الخط أو الخطة التي تساوي الآن الحي أو المنطقة ، لنجد في عصرنا لفظ الأحياء وأقسام الشرطة ، ذلك أنه في التقسيم الإداري للمدن الآن نجد أن قسم الشرطة ينقسم إلى أحياء أو مناطق ، فنقول مدينة المهندسين ، أو حي المهندسين الذي هو من أحياء قسم العجوزة .. وهكذا .
