كتب – روماني صبري
وجه الأنبا نيقولا أنطونيو، المتحدث الرسمي للروم الأرثوذكس في مصر وسائر إفريقيا، رسالة رعوية جديدة لشعب الكنيسة، بعنوان "خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي"، وجاء فيها :
في النص اليوناني الذي كتب به الإنجيل المقدس ذُكرت كلمتان، الأولى هي: "σάρξ" (sarx)، والثانية هي: "σῶμά" (soma). الكلمة الأولى: "σάρξ"، تعني: "لحم" (للتوضيح، بالإنجليزية Flesh وليسMeat )، و"جسم" و"جسد طبيعي" و"طبيعة بشرية"، وتشير إلى بشرة يسوع المسيح الإنسانية التي يتشارك بها مع جميع البشر. والكلمة الثانية: "σῶμά"، تعني: "جسد" و"جسد حي" و"جسد للمسيح"، وتشير إلى بَشرة يسوع المسيح المُتَألِّة الخاصة به التي لا يتشارك البشر معه بها. أما في الترجمة العربية للنص اليوناني للإنجيل المقدس لم تُستخدم الكلمتين "جسم" و"جسد"، بل أُستُخدمت كلمة واحدة هي كلمة "جسد"، مما لا يُبيِّن الفرق في بين الكلمتين ويُبيِّن معناهما للقاريء العربي. كما أن الكلمة العربية "جسد" لا تُعطي معنى الكلمة اليونانية "σῶμά" (soma).
في النص اليوناني للإنجيل أستخدم الرب يسوع المسيح كلمة "σάρξ" (sarx) إشارة منه إلى جسمه الإنساني في حديثه مع اليهود، وكان ذلك قبل العشاء الأسراري يوم الخميس العظيم (العهد القديم)، عن أن المَنْ السماوي، الخبز النازل من السماء، الذي أُعطي من يَهْوَهْ (الله الآب) للإسرائليين في البرية كان رمزًا لجسمه الإنساني، كونه ابن الإنسان، الذي فيه رآه البشر عند مولده وعندما عايشوه. أما طبيعتة الإلهية- كونه ابن الله- المتحدة في طبيعتة الإنسانية، في هذا الجسم الإنساني، إتحادًا لا متناهيًا فلم تكن مرئية للعيون البشرية. وذلك بقوله لليهود في وعده الإلهي بسر الشكر: "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. آبَاؤُكُمْ أَكَلُوا الْمَنَّ فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَاتُوا. هذَا هُوَ الْخُبْزُ النَّازِلُ مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ الإِنْسَانُ وَلاَ يَمُوتَ. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جِسْمِي ["ἡ σάρξ μού" (y sarx mou)] الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ. فَخَاصَمَ الْيَهُودُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ كَيْفَ يَقْدِرُ هذَا أَنْ يُعْطِيَنَا جِسْمَهُ ["τὴν σάρκα αὐτοῦ" (tin sarka aftou)] لِنَأْكُلَ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جِسْمَ ["τὴν σάρκα" (tin sarka)] ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جِسْمِي ["μου τὴν σάρκα" (mou tin sarka)] وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، لأَنَّ جِسْمِي ["σάρξ μου" (sarx mou)] مَأْكَلٌ حَقٌ وَدَمِي مَشْرَبٌ حَقٌ. مَنْ يَأْكُلْ جِسْمِي (μου τὴν σάρκα) وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو 48:6-56).
أما في العشاء الأسراري يوم الخميس العظيم وقت تأسيس يسوع المسيح سر الشكر (العهد الجديد)، الذي فيه لم يعطي تلاميذه خبزًا أرضيًا ليأكلوا ونبيذًا أرضيًا ليشربوا، أعطاهم أن يأكلوا ويشربوا جسده ودمه الحقيقيَيْن الإلهيَيْن المقدمَيْن منه هو نفسه لهم تحت شكل الخبز والنبيذ، فقد استخدم الرب كلمة "σῶμά" (soma)، إشارة منه إلى جسده الحي المُتَألِّه الخاص به، كما ذكر لوقا الإنجيلي في بشارته، بقوله: "وَأَخَذَ (يسوع) خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ (تلاميذه) قَائِلاً هذَا هُوَ جَسَدِي ["τὸ σῶμά μου" (to soma mou)] الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِتِذْكارِي. وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلاً هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" (لو 19:22و20)، وكذلك كما ذكر كل من متى ومرقص الإنجيليين في بشارتهما، بقولهما: "وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي ["τὸ σῶμά μου" (to soma mou)]. وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" (مت 26:26-28) و(مر 22:14-24). وكما ذكر بولس الرسول أيضًا بقوله: "لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي (μού ἐστιν τὸ σῶμά) الْذِي يُكْسَرُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِتِذْكارِي. كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِتِذْكارِي" (1كو 23:11-25).
وعدم الإيمان بهذا، أولاً: يضاد تأكيد الرب يسوع المسيح نفسه لتلاميذه في يوم الخميس العظيم، العشاء الأسراري، بأن الخبز المقدم منه لهم ليأكلوا هو جسده الحقيقي الإلهي، وأن النبيذ المقدم، أيضًا، منه لهم ليشربوا هو دمه الحقيقي الإلهي (مت 26:26-28) و(مر 22:14-24). ثانيًا: يجعل من الرب يسوع المسيح إنسانًا محدودًا وليس إلهًا حر الإرادة.