حمدي رزق
وما ذنب الخَادِمَات؟! بلا ذنب وبلا جريرة وبلا تهمة، لطخت سمعة الخَادِمَات فى معركة «عصبية» لا ناقة لهن فيها ولا جمل.. لهن الله من قبل ومن بعد، هذه المناحة المجتمعية على قول رذيل ورد فيه حكى ممجوج مرفوض عن أهلنا فى الصعيد!
يا قوم، حنانيكم يا سادة، رفقًا بالخَادِمَات، الخَادِمة مش الحيطة الواطية، كله يحط عليها هكذا فى غمار معركة صفرية، الخَادِمة ليست معرة نستعر منها، ولا خطية نستغفر من ذنبها، ولا تنقض وضوء ناسها، ولا تنقص من شرف أهلها.
الخَادِمة إنسانة شريفة تعمل فى مهنة شريفة، وتأكل من عرق جبينها، وتكسب عيشها من هدة الحيل، وبرى الأصابع من غسيل المواعين، وكسر الوسط فى رعاية كبار السن والأطفال.. معلوم تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
طحن عظام الخَادِمَات فى معركة «جهوية»، يورثهن يأْسًا وقنوطًا، ما هذا الوحل الذى نوحل فيه؟ الخدمة فى البيوت مش عيب، مهنة شريفة، تؤمها نساء شريفات، ما خرجن إِلَّا تحت وطأة الحاجة، وربنا ما يحوجكم، الحوجة مُرة، وأمر من الصبار المغلى، وبدلًا من التسول، وانتظار وجبة سخنة من «بنك الطعام»، أو منحة مالية من «تكافل وكرامة» خرجن إلى سوق العمل، والأرزاق بالله.
الخَادِمة أو الشغالة تقدم خدماتها مقابل أجر معلوم، وكم من سيدات شريفات يعملن فى البيوت، ويُعاملن فى هذه البيوت كأهل البيت تمامًا، وربما أفضل، نحِّ جانبًا بعض الموبقات المجتمعية من عديمى الأصل والرباية، يسومونهن سوء العذاب وَيَسْتَحْيُونَ عرضهن و.. المسكوت عنه، لكنه استثناء محزن لا ينسحب على قاعدة عريضة من بيوت الشرفاء التى تتشرف بالخَادِمَات الشريفات العفيفات.
المجتمع الذى يحتقر مثل هذه المهن والأعمال المتواضعة هكذا علانية، ويتبرأ منها مجتمع مريض بالشيزوفرينيا، يبحث عن خادمة بشق الأنفس تخدم أمه وتريح أم أولاده، وإذا احتكم الأمر واحتدم، وصار التنابز بالشرف، يُمعن فى رمى الخَادِمَات بكل نقيصة، ويستعر منهن، ويعيرهن بالخدمة فى البيوت، وكأن الخَادِمة عورة يتدارى منها.
مجتمع يتدارى من مهن ضرورية وحياتية، كالزبال والشغالة، مجتمع بعافية، مجتمع ينقصه الكثير من الوعى بأهمية العمل الشريف، والسعى لكسب القوت الضرورى، وعدم القعود انتظارًا للحسنة المخفية فى رغيف محشو باللحمة والرز من أيدى محسن كريم أمام ضريح السيدة زينب.
والتلطيخ بالسُّخام المجتمعى على قديمه، بالمناسبة الخَادِمَات لم يعدن على الهيئة القديمة التى تستعرون منها (خدامتك آمنة)، وهن أشرف من الشرف، وتحت أسماء جديدة تمامًا، وبمواصفات جديدة تمامًا، الخادمة التى تستنكرونها تغيرت وربما تنظر إليكم بإشفاق من خفة عقولكم وتدنى نظرتكم، إدارة البيوت بالمناسبة صارت علمًا يُدرس، صحيح الخَادِمَات العاديات لم يتحصلن على مزايا الوضع الجديد، ولكنهن على وضعهن، على قديمه، يستأهلن احترامًا واجبًا.
المهنة الشريفة التى تتجنبونها باعتبارها عارًا وشنارًا، ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، هناك جنسيات محترمة تمتهنها باحترافية وشرف وكرامة وعقود بالدولار، هناك فلبينيات وإريتريات وإثيوبيات، متعلمات ومهنيات، الشغل مش عيب، عيب عليكم تعيبون المصريات الشريفات، وتهينون الشغالات المحترمات، وتحطون من شأن الضعيفات.
علمًا، ما خرجن للخدمة فى البيوت إلا لحاجة، احترموا حاجات الناس، وفضلًا عن ذل السؤال يكفين بيوتهن، ويربين أولادهن، ويبررن أهلهن، الشرف كل الشرف فى أعناقهن، فلا تلووا أعناقكم غلظة ورفضًا للخادمات، واستنكارًا، واستنكافًا، واستهجانًا، خرّجوا الخَادِمَات من العركة المنصوبة، دول غلابة ومحدش بياكلها بالساهل.
نقلا عن المصرى اليوم