منى مكرم عبيد
شهدت الأيام القليلة الماضية تغيرًا كبيرًا على الساحة الإفريقية، من خلال مشاركة الإمارات فى قمة مجموعة دول الساحل الإفريقية الخمس، والتى ضمت كلا من بوركينا فاسو وتشاد ومالى وموريتانيا والنيجر، بهدف تنسيق العمل الجماعى لمواجهة التهديدات المستمرة ومحاربة الإرهاب والتطرف، والمساهمة مع فرنسا التى عادت للاهتمام بهذه المنطقة، بعد أن أصبحت مفرخة للإرهاب، وتشكيل مخاطر عديدة على دول الشرق الأوسط وكذلك أوروبا.
وفى ظل إدارة أمريكية جديدة بقيادة الرئيس جو بايدن ليس واضحا النهج الذى سوف تلعبه واشنطن مع القارة السمراء، وهل هناك نية لعودة بلاده لدور نشط أم استمرار نهج سلفه ترامب فى الانكفاء على الذات والتنصل من كل الالتزامات التى كانت تقوم بها من قبل، لذا ليس من الواضح النهج الجديد لواشنطن وتداعياته على القارة السمراء.
الفرصة متاحة لمصر الآن للمشاركة الإيجابية فى هذا الملف، حيث لنا صداقة كبيرة مع فرنسا وتربطنا بها علاقات تاريخية إلى جانب التنسيق المشترك الذى جرى مؤخرا فى شرق البحر المتوسط، والدفاع عن المصالح اليونانية القبرصية المصرية فى مواجهة التهديدات التركية، وبحكم قربى من دوائر صناعة القرار الفرنسى أدرك مدى التقدير الذى تكنه باريس للقاهرة، حيث نلت وسام «جوقة الشرف» برتبة ضابط من الرئيس الأسبق ساركوزى لتدعيم العلاقات المصرية الفرنسية.
كذلك علاقات الأخوة والشراكة مع الإمارات فى كثير من الملفات، تسمح لنا بالتوغل الإيجابى فى الساحل الإفريقى، خاصة أن الجماعات الإرهابية استغلت انكفاء الدول على نفسها لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، وأصبحت نشطة بشكل فعال، ونقلت العديد من المتطرفين فى مناطق صراع جديدة مثل ليبيا، تشاد، الصومال، ولم تعد الجماعات الإرهابية تنشط فى سوريا والعراق فقط كما كان يحدث قبل سقوط تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
.. الجديد فى الأمر أن كلا من فرنسا والإمارات تتعاونان لاقتلاع الإرهاب من جذوره، وعدم الانتظار لظهور تهديدات إرهابية على أراضيهما، وهو أسلوب مهم فى التوجه إلى المنبع ومواجهة الخطر فى أرض النشأة وليس الانتظار حتى تتعاظم التهديدات وتشكل خطرا أكبر، ومصر بلا شك لديها خبرات كبيرة فى هذا الشأن، كما أن العلاقات التاريخية التى تجمعها مع الأشقاء الأفارقة من شأنها تحقيق التكامل والتعاون المشترك مع كل من فرنسا والإمارات، كما أن ذلك سوف يسهم أيضا فى رسم خريطة جديدة للقوى فى إفريقيا، فى ظل التغيرات التى تحدث فى العالم حاليا، وسبق أن طالبت من هنا فى سبتمبر الماضى بتشكيل تحالف مصرى إماراتى لمواجهة الإرهاب، والآن يمكن أن نضيف لهما فرنسا لما تمثل من زخم وقوة أوروبية كبيرة.
ليس غريبا أن مصر لعبت دورا كبيرا فى تحرير الكثير من الدول الإفريقية، ولعب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر دورا بارزا فى دعم حركات التحرير، ولا تزال دول إفريقية عديدة تعترف بالدور المصرى الريادى فى مساعدة الأفارقة فى التخلص من الاستعمار، وأن الوضع الراهن يمكن الاستفادة منه عبر شراكة وتبادل مصالح وعدم فرض وجهات نظر أو تغليب مصالح ضيقة، أو الارتكان للدور التاريخى المصرى دون تحركات حديثة ملموسة.
الحقيقة يزداد إعجابى بدولة الإمارات يوما بعد يوم، فهم يجنون ثمار الاستثمار فى البشر، سواء من خلال نهضة تكنولوجية علمية تحدث حاليا على الأراضى الإماراتية، والتغلب على تحديات جائحة كورونا بشجاعة وخطط تضاهى المتبع عالميا، ومسبار الأمل الذى يقدم طفرة عملية كبيرة فى استكشاف كوكب المريخ، ومؤخرا الولوج لمعاقل التطرف فى إفريقيا والمساهمة القوية فى تعزيز الروابط المشتركة مع الدول السمراء بناء على تعاون حقيقى فى مختلف المجالات.
لذا الفرصة متاحة لمصر من أجل بناء تحالف مصرى إماراتى فرنسى فى القارة السمراء، وسبق أن طالبت فى سبتمبر الماضى من هنا يتشكيل تحالف يونانى قبرصى فرنسى مصرى فى البحر المتوسط، وبالفعل حدث هذا التقارب مؤخرا، فمثل هذه الملفات ستكون لها نتائج عظيمة فى المستقبل، وتشكل طفرة فى العلاقات الدولية التى تقوم على تبادل المصالح وخدمة الشعوب، وكثيرا ما ألتقى بعدد من القادة الأفارقة ويوجهون لى سؤالا، أين مصر من إفريقيا؟، فهم يرون أن مصر لديها الكثير كى تقدمه لهم.
أعتقد أن هذا التحالف سيكون بداية حقيقية لتحقيق انتصار تاريخى فى ملف سد النهضة، فمصر بحاجة للتوغل إفريقيًّا بشكل جديد يتناسب مع التحديات الراهنة، خاصة أن إثيوبيا تضعنا أمام سياسة الأمر الواقع، واستغلت الأوضاع السياسية التى مرت بها مصر فى السنوات الماضية لتبنى السد وملء الخزان فى تحد كبير ليس لمصر فقط بل للعالم والمواثيق الدولية!.
سبق أن التقيت مع أركبى أوكباى، وزير ومستشار خاص لرئيس وزراء إثيوبيا، وتناقشنا سويًا حول دور اللجان الشعبية لتدعيم العلاقات بين البلدين، وعدم الالتفات للتقارير التى تعمل على تأجيج الحرب الكلامية بشأن سد النهضة، وتحدثنا عن العلاقات التاريخية والروابط الكبيرة التى تجمع بين البلدين، وأن الأمر لن يصل لمرحلة الصدام، بل سيتم التوصل إلى حلول قابلة للتنفيذ خلال المرحلة المقبلة، ولكن يبدو أن الحكومة الإثيوبية الحالية تتجه للصدام وليس للحوار!.
برلمانية سابقة وأستاذة العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم