عاطف بشاي
نعم هو بالفعل مشروع قومى عظيم الشأن والقيمة والهدف، نهفو أن تلتف حوله جموع شعبنا لتكريس مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية الذى نادت به ثورة 23 يوليو 1952 كأحد أهدافها المهمة فى القضاء على مجتمع طبقى يسيطر عليه الإقطاع فى الحقبة الملكية.. حيث كان الفلاح يعمل أجيرًا لدى إقطاعى مستبد يملك الأرض كما يملك هؤلاء الأُجراء الأذلاء كعبيد يعيشون على الكفاف، فتم إصدار أول مشروع وطنى هو قانون الإصلاح الزراعى وتحديد الملكية الزراعية.. ولعل رواية «يوسف إدريس» (الحرام) تعتبر واحدة من أهم الروايات التى عبرت عن أحوال القرية المصرية قبل الثورة.. وعكست الحياة البائسة لعمال التراحيل.. تلك الشريحة الاجتماعية المقهورة الذين يُسمون بالغرابوة.. أكثر الفلاحين قهرًا وتعاسة فى بلادهم.. ويصفهم «يوسف إدريس» فى روايته بأنهم بقايا بشر يُضربون بالكرابيج.. أرجلهم شققها الجوع والحفاء.. يرتدون ملابس بالية، ولهم مظهر متهالك ورائحة كريهة.. لا يتمتعون بأى ضمانات فى الأجر المنتظم ولا قدر من التأمين الاجتماعى ولا قوانين تحميهم.
المهم أنه بمجرد إصدار قانون الإصلاح الزراعى بعد قيام الثورة تغيرت معالم التفاتيش تمامًا فلا سرايا ولا اصطبلات ولا مأمور تفتيش ولا شغيلة أو خفراء أو تملية.. ولكن مجتمع جديد رفع راية العدالة الاجتماعية التى أُجهضت ثمارها بعد هزيمة (1967) وبحلول الحقبة الساداتية.. فقد كشفت السلطة فى بواكير حكمها- كما جاء فى كتاب د. عبدالباسط عبدالمعطى «الطبقات الاجتماعية ومستقبل مصر»- عن توجهها لإفساح المجال أمام رأس المال الخاص، وأوضح تقاعس الرأسمالية المحلية عن الاستجابة لهذا التوجه لهشاشة مرتكزاتها وعجزها عن أن تكون سندًا حقيقيًا للسلطة الجديدة، ما دفع تلك السلطة إلى محاولة اجتذاب أغنياء الفلاحين عبر جملة من المبادرات نظرًا لما كانت تحوزه من نفوذ سياسى وقدرة على توفير قاعدة تأييد اجتماعى للنظام، خاصة فى الريف، الأكثر عددًا.. وفى ظل الانفتاح الاقتصادى والاعتماد على سياسة الاستيراد اكتظت الأسواق بالسلع الغذائية الاستهلاكية.. وضاعت خطط التنمية واضمحلت حركة التصدير وانتهت الحرف التراثية المحلية.. وبدأت حركة نزوح الفلاحين إلى القاهرة.. والهجرة إلى الدول العربية للعمل بعيدًا عن ممارسة زراعة الأراضى.. وبدأ تجريف الأرض الزراعية.. والهجرات غير الشرعية. فلما جاء نظام مبارك ازداد تجريف الأرض الزراعية.. وغياب الخدمات الشاملة عن القرى والكفور والنجوع.. فلا يوجد صرف صحى ولا مياه شرب ولا كهرباء.. ولا طرق ممهدة.. وتفشت الأمراض والأوبئة.. وتدهورت الوحدات الصحية ومجمعات الخدمات.. وعمت البطالة وانهارت مراكز الشباب وساءت أحوال قصور الثقافة.. وارتفع عدد العاطلين، واشتعل الإرهاب وتوحش التطرف الدينى وممارسة الدجل وتزويج القاصرات والإيمان بالغيبيات.
لذلك تأتى هذه المبادرة المبهرة التى أطلقها الرئيس السيسى (حياة كريمة) لتطوير وتنمية وتحديث الريف المصرى لتشمل (4500) قرية من خلال خطة اقتصادية واجتماعية وتعليمية طموحة لصالح (58) مليون مواطن يمثلون (60%) من الشعب المصرى.. بتوفير الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحى وتطوير للوحدات الصحية والمنشآت التعليمية والثقافية والرياضية.. والمساهمة فى تحسين مؤشرات الحماية الاجتماعية والارتقاء بالمستوى الاقتصادى والتنموى وتحقيق الاستقرار والأمان والكرامة الإنسانية والنهوض بمستوى المعيشة.
تأتى هذه المبادرة التى تدعو للفخر والزهو وكأنها على موعد مع التاريخ لتحقيق أحلام شعب فى تحقيق عدالة اجتماعية وإنسانية ظلت غائبة فى عهود طويلة سابقة.. أشعر بأنها سوف تثمر انتماءً شعبيًا جارفًا لوطن نحبه ونتطلع لرفعته وتقدمه.
أشعر بأن مصر تتغير..
Atef.beshay@windowslive.com
نقلا عن المصرى اليوم