سحر الجعارة
الواقع يؤكد أننا لن نتقدم خطوة إلا برفع وصاية «وكلاء الله على الأرض» عن المجتمع.. وأن معظم مشكلاتنا وأزماتنا سببها التفسير الخاطئ والفهم المغلوط لصحيح الدين.. واحتكار «ملالى السنة» الحديث باسم الله والحل والتحريم!.
كنت أتصور أن هذا المقال لا بد أن أفتتحه بالخبر التالى: (أعلنت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، عن إطلاق 10 قوافل للصحة الإنجابية بداية من 24 من فبراير الجارى، تحت شعار: «حقك تنظمى»، بهدف توفير خدمات ووسائل تنظيم الأسرة بالمجان للمنتفعات بالقرى والمناطق المحرومة من تلك الخدمات، وذلك ضمن مبادرة رئيس الجمهورية «حياة كريمة»).
ثم نتحدث عن معنى «الصحة الإنجابية»، وعن خطورة الحمل المبكر والحمل المتكرر على المرأة.. وبالتزامن مع ذلك نفتح حواراً مجتمعياً مع الأطباء وعلماء النفس والاجتماع.. يكون محوره التحذير من خطورة الانفجار السكانى، ومحاولة الوصول إلى «قانون» لتنظيم النسل.
لكن البداية كانت من خطبة الجمعة، لا بأس فأهل الريف والصعيد يأخذون بكلام إمام المسجد أكثر مما يسمعون للطبيب، ثم علَّق مفتى الديار المصرية، الدكتور شوقى علام، على استخدام وسائل تنظيم النسل، معتبراً إياها «ليست شيئاً مستحدثاً فى عصرنا الحديث».
وأوضح «علام» أن وسائل تنظيم النسل كانت حاضرة منذ العهد النبوى، حيث كان الصحابة يطبقون «العزل»، الذى لم ينههم النبى عنه.
وقال «علام» إن تنظيم النسل لا حرج فيه قياساً على (العزل) الذى كان معمولاً به فى العهد النبوى وما بعده، مؤكداً أن «الفتوى فى دار الإفتاء المصرية استقرت على أن تنظيم الأسرة من الأمور المشروعة، وكذلك التماس الوسائل الطبية للإنجاب إذا كانت هناك أسباب تمنع ذلك».
وأشار «علام» إلى أن استناد بعض المعارضين إلى عدد من النصوص من القرآن والسنة للقول بمنع تنظيم الأسرة «استناد غير صحيح»، لأنهم لم يفهموا هذه النصوص على حقيقتها، بل إن جمهور الفقهاء للمذاهب الأربعة متفقون على جواز تنظيم النسل، مع الاختلاف فى بعض الشروط بينهم. وفى تصريحات لجريدة «أخبار اليوم» قال عدة رسائل أتوقف أمام بعضها:
1- من الخطأ الاستدلال بعدم قتل الأولاد خشية الإملاق على تحريم تنظيم النسل.
2- تنظيم النسل يعنى المباعدة بين الولادات المختلفة وليس المنع أو القطع المطلق للنسل.
3 - الرزق مكفول لكل إنسان ولكن علينا أن نسعى لتحصيله.
4 - تنظيم النسل ليس منعاً من الإنجاب مطلقاً فالمحظور هو المنع المطلق.
5- لا مانع من اتِّخاذ الدولة ما تراه من وسائل وتدابير لتنظيم عملية النسل وترغيب الناس فيه.
إذاً أشار د. علام ضمنياً إلى أن تفسير الآية 31 من سورة الإسراء (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) ليس معناه تحريم تنظيم النسل.. وأكد رفضه للمنع المطلق للإنجاب.. وترك الأمر لتدابير الدولة. حتى شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، حين سأله السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى حول حكم تنظيم النسل فى الإسلام: قائلاً: (هل أقدر أطلب من اللى عنده طفلين يستنى 6 أو 7 سنين كمان على بال ما يجيب 3 أطفال، واللى عنده 3 أطفال ما يجيبش أطفال تانى، عشان تبقى الأمة واقفة على رجليها ومتعلمة وقادرة، مش مجرد عدد وخلاص؟).. رد «الطيب» قائلاً: «حلال حلال حلال»، مؤكداً أن تنظيم النسل فى الإسلام أمر مشروع.
السؤال الآن: لماذا صمت الجميع من أول شيخ الأزهر حتى أصغر إمام فى زاوية مهجورة حتى غرقت البلاد بأطفال الشوارع وعصابات التسول و«الواد بلية»؟!.
والأهم: بعد أن ثبت أننا سرنا كالعميان عشرات السنين خلف تفسيرات خاطئة للنص القرآنى، تراجع عنها أهلها، لماذا نجعلهم يقودون الرأى العام فى مصر.. ليصبح استقرار الوطن بشعبه رهناً بإشارة من أحدهم تكفرنا أو ترهبنا؟.
كيف نطلب العلاج من سبب الداء، بينما الدولة تملك أن تشرع قانوناً لتنظيم النسل، حماية لعملية التنمية، وتآكل دخل المواطن الملتزم الذى يسدد ضرائبه لينفق على أصحاب شعار «بييجى برزقه»؟.
(تنظيم النسل يعنى المباعدة بين الولادات المختلفة).. هذه كلمات مفتى الجمهورية، ولك أن تتخيل كيف يفهمها البسطاء، وكيف يفهمون: (منع القطع المطلق للنسل)؟.. إذا استمرت المرأة فى الإنجاب كل عامين سنجد لديها 10 أطفال خلال 20 عاماً.. كان لا بد أن يُقال بوضوح: (2 كفاية).
«2 بس عشان ياخدوا حقهم»، هذا عنوان حملة جريدة «الوطن» التى تهدف لتوعية السيدات «علمياً» بطرق تحديد النسل.. وهذا ما كان يجب أن نركز عليه.. لكننا اعتدنا أن كهنة الدين يتحكمون فى الطب بفتاوى من نقل الأعضاء وإثبات النسب، مروراً بتنظيم النسل، وصولاً للتعامل مع الأوبئة.. وهكذا يظل «العقل» غائباً من الصورة، وتظل نخبتنا المثقفة على رأسها «عمة»!!
نقلا عن الوطن